Al Jazirah NewsPaper Tuesday  28/07/2009 G Issue 13452
الثلاثاء 06 شعبان 1430   العدد  13452
ممر
في غياب محمد الجحلان...
ناصر صالح الصرامي

 

للعمل الصحفي شجونه، جماله و مميزاته وعثراته أيضا، أعتقد أنني من جيل جيد الحظ والتوقيت نسبيا، فقد بدأنا المهنة الصحفية في وقت أصبحت فيه الصحف تتكون لتصبح مؤسسات، ثم أصبحت مؤسسات عملاقة.

حين دخلت مبنى جريدة الرياض بحي الملز قبل نحو 20 عاماً، وكنت للتو أنهيت مرحلة الدراسة الثانوية، كنت أفتح بابا مجهولاً، لكن كان شيء بداخلي يؤمن أنه باب حقيقي نحوعالم الأخبار والصحافة والأفكاروالإعلام المغري والمثير في الوقت ذاته.

اتجهت إلى المبنى لمقابلة زميلنا سلطان البازعي مدير التحرير حينها، في مكتبه الذي كان (دسك) صحفي يجلس عليه أكثر من شخص، عرفت فيما بعد أنهم يضعون اللمسات الأخيرة لعدد الغد، وتحديث الطبعة الثانية، وفي الوقت ذاته يحضرون لعدد لاحق.

الذي أوصلني وأرشدني إلى باب ذلك المكتب بخلق جم، كان الزميل محمد الجحلان نائب رئيس التحرير بالجريدة حينها -رحمه الله.

بعد أشهر من ترددي على الجريدة بدأت أعرف من يكون محمد الجحلان، وماهية الأدوار المتنوعة التى يقوم بها، و بدأت أتعرف عليه أكثر وأكثر من خلال تردده على صالة التحرير التى تجمع المحررين المتعاونين، كان صحفيا ماهرا بمعنى الكلمة، غالب وقته في مبنى الجريدة متابعا لصفحاتها وطبعاتها اللاحقة، أو مسافر لمهمة صحفية رسمية، كان رجل مسئولية مهنية عالية، كما كان في الوقت ذاته قمة التواضع في التعامل مع صحفيين شباب يعملون بنظام الأجر، ولا يتردد عن تقديم النصح المهني لطالبه بتجرد وصدق.

منه تعلمت الكثير في فن التقاط الموضوع الصحفي، والاهتمام بالتفاصيل المهنية، وحب المهنة لدرجة الالتصاق الكامل بها بشكل مصيري جدا، في وقت كان التفرغ المهني مخاطرة وظيفية خارج الاستقرار التقليدي.

كانت له مهارة عالية في كتابة العناوين الصحفية وتزيينها، أتذكر تلك الصورة الثابتة له في ذهني الآن، وهو يكتب على صفحة بيضاء وبالعرض عناوين المواد الصحفية، وبطريقة تشبه عمل صاغة الذهب وهم عاكفون على نقش رسومهم أو توقيعهم النهائي على قطعة ذهبية قبل البعث بها للعرض، ولتزين واجهات المحلات.

غاب الأستاذ محمد الجحلان بعد مواجهة مع المرض استمرت لعامين أو أكثر، وكان لكل من قابله رجلا رافضاً أن يحاصره المرض، كما رفض أن يحاصره منصب قيادي في جريدة مهمة من التواصل مع مستجدي الصحافة ومتعلمي المهنة، وهي ميزة أحسب ان الزميل الكبير تركي السديرى قد نشر ثقافتها بتلقائية ومباشرة يدركها كل من حاول أن يتعلم منه وعمل معه.

محمد الجحلان عمل بتواضع، ورحل بهدوء، وسيبقى ذكرى قامة صحفية استمرت لسنوات تعلمنا، وتنمو معنا، لتبقى حاضرة للأبد... رحمك الله أيها الزميل العزيز.

إلى لقاء...

* * *
















 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد