Al Jazirah NewsPaper Wednesday  29/07/2009 G Issue 13453
الاربعاء 07 شعبان 1430   العدد  13453

نعم الأخ.. نعم الصديق
صالح عبدالله بامخشب بالعبيد

 

انتقل إلى رحمة الله تعالى بمدينة الملك فهد الطبية بالرياض أثناء تلقيه العلاج الأخ الأكبر علي بن عبدالله بامخشب بالعبيد بعد رحلة مرضية صبر فيها كثيراً واحتسب فلقى وجه ربه راضياً مرضياً نعاه الكثيرون وشارك في عزاه عددٌ كبيرٌ من أقاربه وأحبائه وأصدقائه، قصة حياة وكفاح المرحوم إن شاء الله بدأها منذ الصغر فكان ان استقر به المقام في البلد الحرام وأخذ يشق طريقه بعصامية وتحدٍ كبيرٍ حتى وفقه الله وبدأ يقف على قدميه فكان اسمه يشتهر في مجاله بمدينتي جدة والطائف ولله الحمد، لقد ارتبط المرحوم بإذن الله بعلاقات إنسانية وأخوية حميمة مع كلٍ من يقابله فكان نعم الأخ والصديق لكل من تعرف عليه مشهود له بطيب الخلق والأخلاق وكان مضرب المثل في دماثة التعامل وحسن الجوار ومساعدة الآخرين من المحتاجين وغيرهم والسعي إلى حل المشاكل والتواصل مع جيرانه وكان معروفاً عنه تقديم الخدمة لكل محتاج والوقوف مع الجميع.

كان رحمة الله عليه متميزاً بخفة دمه وروحه المرحة، ومداعباته للصغار والكبار وكان لطيفاً في حديثه وكذلك كان الحديث والجلوس معه متعة فكان محدثه لا يشعر بالملل من كلامه بل العكس يطول الحديث ويستمر إلى فترات طويلة إن حياته رحمه الله صورة من صور الكفاح المشرف في هذه الحياة، لقد كان يسعى جاهداً إلى توفير الحياة الكريمة لأسرته وأبنائه وبناته وكان حريصاً على تنشئتهم التنشئة الصحيحة الصالحة ورباهم بفضل الله على الأخلاق الحميدة وهيأ لهم سبل التعليم، فهنيئاً له رحمه الله بذلك وهنيئاً لهم بهذه الأبوة المثالية الراقية.

تتوقف الكلمات وتعجز الأقلام في يوم الرحيل عن وصفك أو وداعك المهيب رحلت يا أخي الغالي من الدنيا وأنا أقول رحل الجسد وبقي لنا رمز الفخر إلى يوم اللقاء، رحمك الله يا من تركت بصمة في حياة الكثيرين فراقك صعب على كل من عرفك وكل من تعامل معك وكل من عمل معك، فكيف هو على من عاش معك وتربى على يديك ولكنني أكتبُ وأشهدُ أنك أديت دورك كاملاً كأخ وزوج وأب وجد حنانك لم يكن له قياس وعطفك لم يكن له حدود عزاؤنا محبة الناس لك، لقد كنت مدرسة استمرت دروسها حتى بعد مماتك ولا أظنها سوف تتوقف بإذن الله.

لعمرك ما الرزية فقد مال

ولا شاة تباع ولا بعير

ولكن الرزية فقد شهم

يموت بموته خلق كثير

علمتنا أن السعادة الحقيقية في طاعة الله والإخلاص له في كل ما نتولاه، علمتنا أن الرصيد الحقيقي هو ما نجمعه لاخرتنا، علمتنا أنه لا عز لنا إلا بالطاعة، علمتنا أن تكون الدنيا بأيدينا وليست في قلوبنا، علمتنا أن الإخلاص والولاء والوفاء للوطن واجباً على كل من ينتمي لهذا البلد المبارك ويعيش على ترابها، علمتنا أن من تواضع لله رفعه، علمتنا أن الصبر مفتاح الفرج، علمتنا أن مساعدة مكروب وإغاثة الملهوف ودعاء المريض هو مفتاح التوفيق وبركة في العمر والرزق ودفعاً للبلاء، علمتنا أن بالشكر تدوم النعم، علمتنا أن السيرة الجميلة والذكرى الطيبة والخلق الحسن أجمل ما يورث، علمتنا أن الحياة بلا هدف لا قيمة لها وعلمتنا أن الحياة اختيار، علمتنا الحرص على صلة الرحم وأن الأقربين أولى بالمعروف، علمتنا الحرص على حفظ العهود والوفاء بها ومقابلة الإحسان بالإحسان ورد الجميل إلى أهله ولو بعد حين.

ليس لي إلا أن أدعو الله أن يتولاك في الآخرة كما تولاك في الدنيا وأن يحن عليك أضعاف ما حننت علينا وأن يجعلني وإياك في الفردوس الأعلى وأن يجعلك ممن قال فيهم الرسول عليه الصلاة والسلام (إن لله عباداً اختصهم بقضاء حوائج الناس حببهم في الخير وحبب الخير إليهم هم الآمنون يوم القيامة).

لقد تعاملت مع الجميع بأخلاق الفرسان من مروءة فذة وكرم وتسام إنساني رفيع الشأو والشأن وهذا يذكرني بتلك الأبيات الرائعة المنسوبة للمقنع الكندي وما فاض به فارسها النبيل وشاعرها الرقيق الملهم من مبادئ سامية وأخلاق رفيعة وتقول تلك الأبيات:

وإن الذي بيني وبين بني أبي

وبين بني عمي لمختلف جدا

فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم

وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا

وإن زجروا طيراً بنحس تمر بي

زجرت لهم طيراً تمر بهم سعدا

ولا أحمل الحقد القديم عليهم

وليس أمير القوم من يحمل الحقدا

وإني لعبد الضيف ما دام نازلاً

وما شيمة لي غيرها تشبه العبد

أشهد أيها الفقيد الغالي أنك كنت أميراً بأخلاقك ومروءتك ونبلك ووفائك وكرمك وصبرك في الشدائد وترفعك عن الصغائر عطوفاً على الصغير رحيماً بالكبير عف اليد عفيف اللسان حازماً في الحق ولا أزكي على الله أحداً.

أقول إن القلب ليحزن والعين لتدمع وإن على فراقك يا أبا محمد لمحزونون.

رحمك الله رحمة واسعة وأنزل على قبرك الفسح والسرور، اللهم كما كنت رحيماً ورءوفاً بأخي الغالي في الدنيا فكن رحيماً به في الآخرة، اللهم يا رحيم يا من رحمته وسعت كل شيء أنزله منازل الصالحين واجعل قبره روضة من رياض الجنة، اللهم اجعله من الذين تتلقاهم الملائكة وتقول لهم سلاماً عليكم طبتم ادخلوها خالدين، اللهم مجازه بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، واربط على قلوب زوجته وأبنائه وبناته وكل من أحبهم في الله واجبر مصاب أبناء عمومته في فقده وابعثه يوم الحساب مع الصديقين والشهداء ولا نقول إلا ما يرضي ربنا عز وجل.

{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد