Al Jazirah NewsPaper Wednesday  29/07/2009 G Issue 13453
الاربعاء 07 شعبان 1430   العدد  13453
صور من ظلم مجتمعنا المعاصر
راشد بن عبدالله القحطاني

 

نسمع كثيراً عن قصص الظلم ومآسيه المحزنة، ونسمع كذلك عن الظالمين والطغاة، وأفعالهم المشينة، وقتلهم الأبرياء، وتضييقهم على الضعفاء، وإذلالهم للشرفاء، كما نسمع عند ذلك شجب الناس لأفعالهم، وشتيمة الناس لهم، بل ولعنهم ووصفهم بالعظائم، ونحن قد ننساق معهم، فنخفض فيهم ونرفع، دون أدنى تردّد ولا تريث ولا عقل. ونجتهد في الجهر بكلمة الحق عندما نرى الطغاة قد ألقي القبض عليهم، وسلموا إلى المحاكم الدولية، أو أعدموا أمام الجماهير أو اخترمتهم المنية فذهبوا إلى عالم الآخرة، وإلى الحساب عند من لا تخفى عليه خافية، وعندها يزداد صخبنا وشتائمنا،وتحليلنا للأمور حسب ما نريد، وكأنَّ حساب الخلق بأيدينا أو أننا أوصياء الله على خلقه وبيدنا مفاتح الرحمة والعذاب.

لكن الشيء الذي يجوب في داخل النفس، ويحارُ عنده الضمير، ويتلجلج منه اللسان، هو تساؤلٌ أطرحه على نفسي، وأطرحه على القراء الكرام، وعلى كل إنسان كيِّس يحاسب نفسه ألا وهو :هل نحن أبرياء من الظلم؟ وهل نحن نخافه من أنفسنا على غيرنا كما نخافه من غيرنا علينا ؟ هل كانت المواعظ التي نسمع عن الظلم توقظ فينا روح المحاسبة لأنفسنا وعدم الثقة بها ؟ أم أننا نسمع ولا نكترث كأن عندنا عهدا من الله بالعصمة والكمال؟ ألسنا قد نقترف في لحظات غياب الوازع والضمير من الجور والظلم ما نستكثره على غيرنا كائنا من كان؟ ألسنا قد نكون ظالمين وطغاة وجبابرة على ضعيف لا ناصر له من الخلق؟؟..هل هذه القصص وغيرها من أشباهها هي كل قصص الظلم ؟ أم أن هناك مآسي وأحداثا من الظلم المرير والقهر الفظيع كانت في طي الكتمان والنسيان؟ وهل هؤلاء الظالمون الذين نسمع عنهم والطغاة الذين يشهر بهم فنشتمهم ونلعنهم ونأسى على أفعالهم هم كل الظالمين وكل الطغاة وكل المعتدين الذين لا مثيل ولا نظير لهم؟ أم أن هناك طغاة وظالمين ومجرمين اعتدوا على الحق والكرامة والفضيلة والإنسانية ولم يذكر لهم اسم ولم يقيد لهم فعل أمام العالم ؟فعاشوا أهل شرف ونزاهة أمام الناس وكانوا محل احترام وإعجاب من الكثير والله سبحانه محصٍ عليهم ما عملوا وما مكروا ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين. ما نسمعه ونشاهده في مجتمعاتنا اليوم من أنواع الظلم شاهد حي على ما ذُكر فحين تنظر على صعيد المجتمع تجد أسرة لها أبٌ قيِّمٌ عليها وما هو بالقيّم، تراه في تعامله مع الناس ومع الزملاء من خير من ترى، لكنه مع زوجته وأولاده أحد الظالمين القساة، فتراه يسوم أهله سوء العذاب، ويجرعهم من ألم الاضطهاد والذل ما لم يأتهم من أي عدو أو أي كارهٍ، فتكون الحياة معه حالة من حالات الطوارئ التي لاتنتهي ما دام حياً، ولعل هذا من فئة من الجهال الذين ظنّوا جهلاً منهم، ونتاجاً لمحيطٍ نشأوا فيه، أن التربية والحنكة مع الزوجة والأبناء هي القسوة والشدة وإعدام شخصية أفراد العائلة أمام عين الأب، وإلغاء أي كلمة أو رأي سوى رأي حضرته المعظم.

ومنهم من أخذ حيز الاهتمام بالناس كل حياته سواء كانوا عشيرة أو قرابة أو زملاء أو غيرهم.. فالإكرام والحفاوة والضيافات والذبائح من الإبل والضأن وغيرها هي للناس وللزملاء وللغريب كائنا من يكون أما أهل الدار المستحقين فلاشيء لهم إلا عناء المناسبات واستقبال الأضياف وبذل راحة الجسد والوقت الثمين إرضاء لرب الدار المحترم، يبذل بعضهم آلاف الدراهم والريالات في الهدايا والعطايا للآخرين، وقد يبخل على شريكة عمره وأم أولاده بهدية رمزية ولو لمرة واحدة في العمر، ومنهم من إذا رأيت تعامله مع أبناء الآخرين ومع الشباب رأيت رجلاً حنوناً لطيفاً غاية في الفهم، وكأنك أمام عالم نفسٍ يستطيع النفوذ إلى حيث ما شاء من الأعماق، فإذا رأيت تعامله مع أبنائه رأيت والله ما يندى له الجبين، وينفطر له الفؤاد، فلا لغة للتفاهم مع لحمه ودمه إلا النهر والكهر، والإذلال والتثبيط، والإهانة والسخرية، وتصيد العيوب والأخطاء وإلقاء وابل التوبيخ والعتاب على كل صغيرة وكبيرة ،ومن الآباء من يكون كبيراً عفيفاً حرّاً أمام الناس ولكنه خسيس النفس مع أهل داره فتراه يطمع فيما في أيدي بنيه بل بما يصل إلى يد زوجته وبناته ويتطاول عليه، حتى سمعنا في ذلك الباب من المآسي ما نستحيي أن ينسب إلى مجتمعنا، ومن ذلك التنافس في طلب المهور للكسب الشخصي، وإجبار البنت على الزواج ممن لا تحب وقد تساق إلى شيبةٍ مسنٍ في سن والدها أو عضل البنات عن الزواج طمعاً في مرتبهن الوظيفي، بل وصل الحال وللأسف الشديد أن تكون البنت بعد زواجها محل طمع الأب واستغلاله فهو يتعاهدها بالاتصال والسؤال عند نزول مرتبها ليعطيها الإشارة الصارمة بدفع ما عليها من حق مستحق تمليه خسة النفس وجمود القلب. بل وصل الحال في هذا الباب إلى انتقال الخلاف واحتدام التنافس بين الآباء والأزواج حول هذا الثمن البخس وقد يرضى الطرفان بعد تدخل أطراف الصلح من الدهماء والجهلة إلى قسمة راتب الزوجة إلى نصفين بين أبٍ ظالم خسيس وبين زوجٍ جشعٍ ضعيف، وتبقى بعد ذلك المرأة في حيرتها وحزنها المرير، لا طائل و لا جدوى لها من تعبها ونصبها إلا الخيبة والحرمان.

وأرجو هنا من الإخوة الذين لديهم عنصر الشعوبية المفرطة، والحماسة العربية المقيتة ألا يبالغوا في ذلك فمثل هذه الصور المشينة توجد وفي مجتمع عربي مسلم محافظ يعتز بما عنده من العادات والأخلاق، وإن كان المثل المشرف الأصيل موجود ولكن المآسي كثيرة وما خفي أعظم وإلى الله المشتكى.

وفي محيط الزملاء والعمل ألسنا نرى من الظلم ما نستغربه ويضيق معه عيش المرء، فتجد المرء يعاني من كيد زملائه، وقطيعتهم، ومجانبتهم لا لشيءٍ فعله إلا أنه أدى عمله على خير ما يرام، وكسب احترام وثناء محيطه والعاملين معه، فاستشرى الحسد في أنفس ضعيفة تكره الخير للآخرين وتنقم على الله فضله وقضاءه لعباده، فأصبحت ولاهمَّ لها إلا تثبيط وتحطيم زميلٍ لهم، كأنهم يعادون ويحاربون مفسداً في الأرض وفي محيط المسؤولية والأمانة الملقاة على عاتق بعض رؤساء الأعمال والمديرين تجد من القصص ما يؤسف له فتجد منهم من يحابي بعضا دون آخر ومن يشك ويشدد على بعض زملائه دون غيرهم، ومنهم من يكون جامداً لا يبادر إلى نفع أو تفقد حال إخوانه العاملين تحت يده في حين أنه سباق بالفضل لفئة من المقربين إما لمصالح شخصية أو غير ذلك. ومن الظلم الواقع تحت أيدي كثير ٍمن المسؤولين والموظفين تعطيل معاملات المواطنين، والمراجعين، وعدم الاكتراث بها فمن كان معروفاً أو منه مصلحة أنجزت معاملته في الحال، وبنفس طيبة وعلى خير وجه، ومن كان بيننا وبينه شيء من الخلاف، أو الثارات القديمة وتصفية الحسابات، أو كان من أغمار الناس، أومن الضعفاء الذين لا ناصر لهم فوا حسرتى عليه وتعساً له.إخوتي القراء يبدو أننا لو أسهبنا في الحديث عن الظلم وعن صوره في مجتمعنا لطال بنا الحديث ولاشتدَّت علينا الغُمَّة، ولكدَّرتُ عليكم خواطر وضمائر حرة شريفة فغير هذه الصور كثير من الحسد والحقد والكيد، والكبر على عباد الله، واحتقار الآخرين، وتشويه أعراض عباد الله، والتطاول عليهم، وبهتانهم بما ليس فيهم، وتلبيس الحقائق، وإثارة الشائعات، ونشر النمائم، والعيش مع الناس بأكثر من وجه، وقطيعة الرحم، وحرمان الوارث المستحق، وظلم العمال والأجراء وبخسهم حقوقهم، وغيرها الكثير، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

ولكن السؤال :هل نحن أبرياء من الظلم ؟ إنه سؤالٌ محيِّر نحتاج للإجابة عليهإلى محاسبة النفس وإيقاظ الضمير.



rashed_alqhtany@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد