Al Jazirah NewsPaper Tuesday  04/08/2009 G Issue 13459
الثلاثاء 13 شعبان 1430   العدد  13459
سوق التجزئة وقسوة التجار
فضل بن سعد البوعينين

 

ليس بالأمر المستغرب أن تكون السوق السعودية الأقل استفادة من إيجابية انهيار الأسعار كنتيجة مباشرة لتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، طالما أن غالبية المستهلكين لا يتفاعلون مع متغيرات الحياة الاقتصادية، ولا يطالبون بحقوقهم المشروعة من جمعية حماية المستهلك، وزارة التجارة، والتجار أنفسهم. يبدو أن المستهلك السعودي أقل إدراكاً بموجات الغلاء المُفتعلة، ولا يضع اعتباراً لبوائق الزمن، وإلا كيف نفسر النهم الاستهلاكي المتزايد الذي ساعد التجار على مواصلة رفع الأسعار، أوالإبقاء على مستوياتها المرتفعة بالرغم من انخفاض الأسعار عالمياً بنسبة 60 في المائة تقريباً.

انحنت الشركات العالمية وقطاعات التجزئة لتداعيات الأزمة الاقتصادية بعد أن توقف المستهلكون عن شراء السلع والخدمات لأسباب مالية صرفة؛ في وقت رفض فيه التجار السعوديون خفض أسعار السلع محلياً متسلحين بعاملي الطلب والاحتكار.

كان تجار الأرز، والمواد الغذائية الأخرى، يتعاملون مع توقعات ارتفاع الأسعار خلال موجة الغلاء التي سبقت الأزمة الاقتصادية العالمية بطريقة عملية تضمن لهم رفع الأسعار بغض النظر عن صحة التوقعات، وتغير الأسعار العالمية. تعامل التجار مع سوق المواد الغذائية بأسلوب (البورصات العالمية) فأصبح المخزون عرضة لزيادة الأسعار بمعزل عن سعر التكلفة. جشع التجار فرض على الحكومة إقرار أنظمة خاصة لدعم السلع الأساسية للتخفيف على المواطنين، إلا أن التجار كانوا أكثر تفاعلاً مع قرارات الحكومة من المستهلكين أنفسهم، فرفعوا الأسعار بنسبة تتطابق مع نسبة الدعم الحكومي وبذلك تحولت ميزانية الدعم الموجهة للتخفيف عن المواطنين إلى جيوبهم!

أثرت الأزمة الاقتصادية سلباً في الأسعار العالمية، المواد الغذائية على وجه الخصوص، وتأثرت قطاعات الإنتاج والتجزئة، وبدأ الكساد يهدد شركات العالم ما دفعها للتخلص من إنتاجها بأسعار بخسه، فأصبحت واردات التجار السعوديين تصلهم بنصف قيمها الحقيقية، ومع ذلك لم تتغير إستراتيجياتهم التسعيرية عما كانت عليه. ما زالت الصحف تنقل توقعات التجار بانخفاض أسعار السلع في الأشهرالقادمة، إلا أن ذلك التوقع لم يحملهم على تطبيق سياستهم العملية السابقة، بتحويل التوقع المستقبلي إلى واقع محسوس! ونستثني هنا بعض من تعرض لخسائر فادحة بسبب الأزمة العالمية فاضطر إلى تصفية بضائعة بأسعار التكلفة تحت إعلان التخفيضات الموسمية، استغل التجار توقعات انخفاض الأسعار، مدعمة بتصريحات (سوف وأخواتها) لإطالة أمد الاستغلال الجشع لجيوب المستهلكين من جهة، ولشل حركة الجهات الرقابية، ولو بصورة مؤقتة، عن اتخاذ أية إجراءات تنظيمية، من جهة أخرى. الجهات الرقابية لا تحتاج إلى من يحد من حركتها الميدانية، فهي في الغالب بعيدة كل البعد عما يحدث في سوق الاستهلاك المحلية. ولعل المستهدف في هذه المناورات الإعلامية وزارة المالية، المسؤولة عن تقديم الدعم الحكومي للتجار (الوطنيين).

أليس من العدل أن نسأل عن مصير (الدعم الحكومي) الضائع في مثل هذه الحالة؟ وعن دور وزارة التجارة ، وجمعية حماية المستهلك الرقابي، وهل من الحكمة استمرار الدعم الحكومي لسلع يتم تداولها في الأسواق الخارجية بأقل من سعرها المدعوم محلياً؟! أليس من الواجب أن تقترن عمليات الدعم بشروط التسعير الرسمية للقضاء على الاحتيال والتلاعب بالأسعار.

الحكومة لم تدخر جهداً في التخفيف عن المواطنين في محنة الغلاء، إلا أن غالبية التجار، وهم أبناء الوطن، تعاملوا مع سياسة الدعم بأسلوب لا يخلو من الأنانية، والجشع، ما أدى إلى تفريغ مشروع (الدعم الحكومي) من مضامينه السامية. لن نعترض على ما فات، وكل ما نرجوه أن يتعامل التجار بواقعية مع متغيرات الأسعار العالمية، وأن يتنازلوا عن جزء من هامش الربح الضخم لمصلحة المواطنين، فكثير من الفقراء والمساكين لا يستطيعون سد حاجاتهم اليومية بسبب الغلاء الفاحش الذي ما زال مسيطراً على الأسواق. أيام معدودات ويهل علينا شهر الخير والبركات شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، ثم عيد الفطر، فموسم العودة للمدارس، ثم عيد الأضحى، وجميعها مناسبات مفرحة، إلا أنها تثقل كاهل الأسر وأولياء الأمور، وتدمي قلوب الأبناء والبنات ممن لا يجدون ما ينُفقونه على حاجاتهم الضرورية بسبب الغلاء من جهة، وضيق ما في اليد من جهة أخرى، وهؤلاء أولى بالرعاية ووضع الأنظمة والقوانين الصارمة التي تحميهم من جور الزمان وقسوة التجار المتحكمين بالأسعار. نحن لا نبحث عن صدقات التجار بل عن حقوق المستهلكين المُغيبة، والمسؤولية الدينية، والوطنية التي يبدو أنها باتت تتذيل قائمة بعض التجار السعوديين الذين ينعمون بالدعم والرعاية الوطنية الشاملة!



f.albuainain@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد