لا يكفي مقال واحد بل كتاب كامل في ذكر العلاقة الطويلة المتينة التي بدأت منذ أكثر من خمسين سنة بين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض - حفظه الله - وبين سماحة والدي الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - رحمه الله -، ولن أتحدث هنا عن تلك العلاقة الطويلة ولكني سأتحدث عن متابعة سموه الدقيقة للوالد من الساعات الأولى لمرضه وحتى دفن في قبره أسبغ الله عليه شآبيب رحمته وجعل الجنة مأواه.
سبب هذا المقال أن بعض المحبين عاتبني حينما لم أذكر سموه في صفحة الشكر للمعزين التي نشرتها جريدة (الجزيرة)، وحق له أن يعاتب لأن سموه - حفظه الله - يستحق الذكر لشمائله العديدة ومتابعته الدقيقة وسؤاله المتكرر عن حالة الوالد، ولكن لم يمنعني من ذكره - مع ما له من المكانة في قلبي وقلوب أسرة آل جبرين جميعا - إلا أن الذين عزونا في فقد الوالد - رحمه الله - من إخوة الأمير سلمان عدد كبير ولم نحب أن نذكر بعضا ونترك بعضا، لأن كلا منهم يستحق أن يذكر والمقام مقام إجمال لا مقام تفصيل، وقد فصلنا في الموقع الإلكتروني للوالد ما أجملناه في الصحيفة ونصصنا هناك على اهتمام سمو الأمير بالوالد وحالته المرضية أولا بأول، وتوصيته المستشفى في المملكة وفي ألمانيا.
فسمو الأمير سلمان لا يغيب شكره عن أذهاننا كيف وهو أول من اتصلنا به حينما عرفنا أن الوالد يحتاج إلى عملية شرايين، فوجه بعلاجه في أي مستشفى يريده فاخترنا بعد استشارة المختصين مستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض.
وسموه أول من عزانا حيث اتصل من المغرب في الساعة الأولى بعد أن قبض الله روح الوالد رحمه الله، ووجه ببذل الاستعدادات اللازمة للصلاة عليه في جامع الإمام تركي بن عبد الله ودفنه في مقبرة العود.
كيف أنسى سموه وهو الذي كان يتابعنا من أمريكا ومن المغرب أولا بأول، حيث كان يتصل في كل أسبوع مراراً للسؤال عن صحة الوالد والاطمئنان عليه.
كيف ننساه - حفظه الله - ونحن إذا احتجنا إلى شيء فزعنا له بعد الله تعالى، ومن المواقف التي لا أنساها ومواقفه كثيرة أننا لما ركبنا طائرة الإخلاء الطبي عائدين للرياض، طلب الطيار أن ينزل بعضنا معتذرا بأن الطائرة لا تكفي فقلت له: لقد جئنا بالعدد نفسه والطائرة هي الطائرة فرفض وأصر على نزول ثلاثة منا، فاتصلت بأبي فهد وهو في المغرب وكنت إذا طلبته في أي ساعة يرد علي جزاه الله خيرا، فلما شرحت له الأمر طلب مني الانتظار قليلا ثم اتصل بي ثانية وطلب الحديث مع قائد الطائرة فاستجاب وتحرك، ولم أدر ماذا دار بينهما ولم أسال، فلما كلمني سموه بعد رجوعنا قال لي: أتدري ماذا قلت له؟. قلت: لا.. قال قلت له: الجماعة لا ينزل أحد منهم وإذا ترى ضرورة نزول أحد فلينزل أحد ممن معك، فشكرته على هذا الاهتمام، ولا ريب أنه قد اتصل وسأل عن الطائرة وعرف أن قائد الطائرة مجتهد اجتهادا خاطئا ولهذا شدد عليه الطلب.
والمواقف من أمثال هذا كثيرة فسموه منا ونحن منه، ولقد صحبت الوالد مرات عديدة إلى مكتب سموه وإلى قصره وكنت أرى الاهتمام والحفاوة التي كان يوليها له، وكان الوالد - عليه رحمة الله - يتجه لسموه في كثير من الأمور فيلقى منه الاستجابة الفورية لكل ما يطلب للمصالح العامة وللمحتاجين.
كيف أنسى سمو الأمير سلمان وقد قال لي كلمة كانت نعم العزاء وهي من الوفاء الذي لا يستغرب من مثله، لقد قال لي حينما عزاني بعد وفاة الوالد مباشرة: يا عبد الرحمن وإن كان الوالد قد مات فأنت في مكانه عندنا، لقد دمعت عيناي وقتها وعلى الرغم من مصيبتي في الوالد كانت هذه عندي من أفضل ما عزيت به، لأني لا أريد أن تنقطع شفاعات الوالد ووجاهاته للمحتاجين، ولعل الله يعينني للسير على نهجه وإن كان قد اتعب من بعده.
سمو الأمير سلمان حفظك الله لقد كنت في حياة الوالد - رحمه الله - سندا ومعينا وملجأ بعد الله تعالى، وإني لأدعو الله أن يجزيك خيرا على ما فعلت. ولعلي في كتابة أوسع أشير إلى هذه العلاقة الوطيدة الحميمة التي نشأت بين الحكام والعلماء على منهج الحق لمصالح الأمة لا لمصالح الدنيا وأعراضها.
هذه كلمات لا تفي بحق أهل الوفاء من أمثاله ولكنها تنبه على ما في القلب من المحبة والامتنان، فله شكري وحبي، ونحن يا سمو الأمير على الخط الذي رسمه الوالد - رحمه الله - من المحبة لولاة أمرنا مع النصيحة والإخلاص والطاعة في غير معصية الله وحاشاكم عنها.