ويا ظل الشباب وكنت تندى |
على أفياء سرحتك السلام |
الزميل الوفي الأستاذ الفاضل عبدالعزيز بن إبراهيم الشائع: زميل الدراسة بدار التوحيد بالطائف عامي 1371- 1372هـ.
|
قد أتحفني بعدد نسخ من كتيبه الذي لم يتجاوز الستين صفحة محتضنا بين دفتيه - رغم صغر حجمه - شطراً من أحلى ذكرياته وأمتعها، ومعلومات قيمة وشاملة أفرغها فيه من خاطره ومن مستودعات ذاكرته، ومن دفتر مذكراته الفكرية.. بدءاً من مراحل الطفولة، ووصف جوها الأسري بحياة البساطة وقوة الترابط بين أفرادها مع وصفه وصفاً مفصلاً للمنزل الذي ولد فيه حيث أطل صارخا على أديم أرضه منذ أول يوم في حياته عبر رحم أمه الحنون ثم ظل يسرد المواقف والمراحل التي مر بها في مقتبل عمره الطفولي، وما جرى فيه من مواقف طريفة، وأخرى مؤلمة ومحرجة - أحياناً - وهكذا تخطى تلك الفترة الزمنية فترة الطفولة..، ثم حلق به الخيال إلى أجواء الطائف متذكراً أيام الدراسة الحلوة في أم المدارس - آنذاك - دار التوحيد بحي (قروى) بوابة المعرفة والثقافة لنا معشر طلابها المغتربين الذين قدموا من مدن وقرى نجد للنهل من حياض وموارد العلوم العذبة على يد نخبة منتقاة من صفوة علماء الأزهر أمثال المشايخ: عبداللطيف سرحان وأخويه، ومحمد الطيب النجار، وعبدالمنعم النمر، ويوسف الضبع، وعبدالرحمن النجار، وطه الساكت، ومحمد نائل وغير هؤلاء الأفذاذ - رحمهم الله جميعاً - ولقد اعتنى جلالة الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - وأولاها اهتماماته حيث أمر بافتتاحها عام 1364هـ وكان أول مدير لها الأستاذ الشيخ محمد بهجة البيطار أحد علماء سوريا ووكل الإشراف والعناية بها إلى فضيلة مدير المعارف العامة الشيخ محمد بن عبدالعزيز المانع وذلك لحاجة البلاد إلى قضاة ومعلمين تربويين وخطباء مؤهلين بسلاح العلم والمعرفة - رحمه الله - وغفر لهم جميعاً، فأسلوب الزميل الشائع (أبو عبدالله) أسلوب جذاب أهاج لي الذكرى متذكراً أيامنا الجميلة التي عشناها معاً مع رفاق العمر أمثاله والأستاذ عبدالرحمن العبدان والأستاذ عبدالله الحمد الحقيل والدكتور حمد السلوم - رحمه الله -، ومع مشايخنا الأفاضل علماء الأزهر والدار جامعة لنا:
|
قم في فم الدنيا وحي الازهرا |
وانثر على سمع الزمان الجوهرا |
فما أحلى تلك الأيام التي مرت بنا على عجل كأنها حلوم أو بروق خواطف.. متذكراً الزملاء الذين غاب معظمهم عنا ملبين داعي المنون - غفر الله لهم - ومتع البقية الباقية بالصحة ومديد العمر.. وكان الجو هناك جو غربة وتآلف بيننا - القسم الداخلي يحتضننا فهو بمنزلة الدار للمغتربين: كل ثلاثة أو أربعة مخصص لهم غرفة، ويتناولون فيه طعام الإعاشة بصفة جماعية في حضن أمهم الدار في جو يسوده التآلف والتحابب فيما بينهم وكأنهم أبناء رجل واحد في تلاحمهم.. فذاك المكان شامل للنوم وتناول الطعام ومزاولة نشاط ناديهم الأدبي الذي يقام في أواخر كل أسبوع يتسابق معظم الطلبة على علو منبره لإلقاء الكلمات الهادفة، والقصائد جزلة المعاني. مع ما يتخلل ذلك من تمثيليات مسرحية هادفة، وترويحية تجدد نشاطهم الذهني، وكان يحضره لفيف من رؤساء الدوائر الحكومية والمثقفين وفي طليعتهم أمير الطائف الشيخ عبدالعزيز بن فهد المعمر، ومساعده ناصر المعمر، والشيخ محمد بن صالح بن سلطان وكيل وزارة الدفاع - آنذاك -، والشيخ الأديب محمد سرور الصبان الذي كان يدعم مكتبة الدار مادياً، - رحم الله الجميع - كما كان بعض طلاب كلية الشريعة يحضرون ذلك النادي تشجيعاً لنا رغم وعورة الطريق وبعد المسافة أمثال الطلبة: عبدالله بن خميس، عبدالعزيز المسند، عبدالله الفالح، صالح الحصين، عبدالعزيز العبدان، عبدالعزيز الربيعة، وغير هؤلاء النخبة من الزملاء والوجهاء، ومن طلاب تحضير البعثات في مكة المكرمة، وكان لهذا التشجيع من أولئك الأثر الطيب في نفوس الطلبة لاستمرار نشاطهم الأدبي والمسرحي طيلة أيام الدراسة في تلك الحقبة الزمنية البعيدة، وكانت حياة طلبة الدار حياة جد ونشاط، وتنافس في اقتناص العلوم المفيدة، فوقتهم مستوفى في المذاكرة، وفي ممارسة الأنشطة الرياضية مثل كرة القدم، والتسابق بالدراجات العادية - السياكل -، كذلك الرحلات في شعاب الطائف، وأحياناً في شعاب عشيرة مرورا بأطلال عكاظ متذكرين من أقاموا به من أرباب الفصاحة وبلاغة الشعر الذي أُودع في بطون الكتب بعد تنقيحه وتمحيصه ليبقى خالدا يقتات منه من بعدهم، تردده الأجيال جيلاً بعد جيل على مر الملوين:
|
لم يبقى شيء من الدنيا تسر به |
إلا الدفاتر فيها الشعر والسمر |
مات الذين لهم فضل ومكرمة |
وفي الدفاتر من إحسانهم أثر |
وحينما امتطى صهوة العمل الوظيفي أخذ يقفز من مرتفع إلى مرتفع آخر بكل نشاط وإخلاص، وبعد أن أنهى الخدمة المدنية تاركاً أثراً طيباً وسمعة معطرة بالثناء تفرغ لأعماله الخاصة والتطواف بمعالم عدة من هذا الكون الفسيح وصال وجال في مناكب الأرض براً وجواً، وملأ عينيه من هاتيك الآفاق وتلك الديار خارج وطنه، مما زاد أفقه الفكري والثقافي اتساعاً ودراية.
|
سح في البلاد إذا أردت تعلما |
إن السياحة في البلاد تفيد |
وعلى أي حال فإن السيرة الذاتية للزميل الصديق الأستاذ عبدالعزيز الشائع ورحلته الطُولى في الحياة الدراسية والعملية معاً التي أفرغها في تلك الوريقات القليلة المضغوطة بأسلوب مركز ومحكم تعتبر سفراً رحباً قدمها داخل كتيبه: (أيام لا تنسى) الذي يعتبر باكورة إنتاجه، ومعذرة من القارئ الكريم في الإطالة وبعض الاستطرادات التي لابد منها.
|
- حريملاء |
|