Al Jazirah NewsPaper Tuesday  18/08/2009 G Issue 13473
الثلاثاء 27 شعبان 1430   العدد  13473
الحبر الاخضر
البرامج الحوارية في القنوات الفضائية!!
د. عثمان بن صالح العامر

 

كنت مساء يوم الأحد الماضي مدعواً لمناسبة اجتماعية خاصة، وكان الحديث بعد العشاء عن الشيخ عرعور ومهارته في الحوار، وما يتميز به من قرع الحجة بالحجة وما يتحلى به من صبر وقدرة على التحمل، علاوة على سعت علمه وتبحره بفن المذاهب والتيارات، وقد تولد من رحم هذا الحوار الذي طال سؤال طُرح وبقوة وما زال: ترى هل مثل هذه البرامج تقدم خدمة للإسلام وينتفع منها المسلمون أم أنها زوبعة في فنجان، وكلام سيذهب أدراج الرياح ولن يكون له أثر يذكر أو ربما كان له أثر سلبي لا سمح الله وهذا أشد وأنكى؟

هناك من أبدى تحفظه منذ البداية على مثل هذا النقاش برمته، معتبراً أن الحديث عن الأشخاص سواء عرعور أو غيره يدخل في دائرة الغيبة المحرمة والمنهي عنها في الشريعة الإسلامية، علاوة على أننا لسنا في درجة من العلم تؤهلنا لممارسة النقد على هذا أو ذاك من علماء الأمة ومفكريها، وهناك من يرى خلاف ذلك فمن نصب نفسه للحديث والتوقيع عن الله عز وجل فهو بهذا جعل ما يقوله نصاً خارجاً من دائرة (الشخصي) ليصبح ملكاً للجميع، لنا الحق كل الحق في النقاش حوله حسب إفهامنا وبناء على قدراتنا (وكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر) والأخذ والرد قرار يبنى على حوار ومداورة ومشاورة بين الناس كل الناس، وفرق بين الغيبة التي تنصبّ وبشكل مباشر على الأشخاص بذواتهم التي خلقهم الله عليها ولا يملكون تغييرها، والتحليل والنقد الذي يتعلق بمضمون ما قيل في هذه المسألة أو تلك، وهؤلاء وهم الأكثرية كانوا فريقين مختلفين فمنهم من هاجم توجه عرعور ومن هم على شاكلته، والغالبية كانوا في خط الدفاع عن هذه البرامج، ليس هذا فحسب بل كالوا المديح للقنوات التي تحتضنها والمؤسسات التي ترعاها ومن قبل للعلماء والمفكرين الذين يشاركون فيها وعلى رأسهم فضيلة الشيخ عرعور، و بعد أخذ ورد اتسعت الدائرة وصار الحديث عن (البرامج الحوارية في القنوات الفضائية)، قال أحدهم: أنا ضد البرامج الحوارية في المسائل العقدية خاصة وكل ما يسبب افتراق الصف العربي والإسلامي على وجه العموم، فهي حوارات في الغالب لا تليق بالعلماء والمفكرين ولا تخدم المستمع وترتفع بمستوى تفكيره ووعيه، ولا نجني منها إلا تأجيج العواطف وتحريك الشارع بلا ضابط وهدف، وكلنا يذكر الأثر السلبي لبرنامج الاتجاه المعاكس عندما كان توجهه استفزازياً مثلاً سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي، ورد الآخر بقوله: لا بالعكس مثل هذه البرامج تثري وتكشف هذه الانحرافات الخطيرة للعامة وتبين المنهج العقدي الصحيح وكما في الأثر (لن يعرف الإسلام من لم يعرف الجاهلية)، قاطعه الأول: طيب وما هي الفائدة التي تعود للناس من هذه المعرفة، هذا من العلوم التي تهم فئة بسيطة من الطبقة المثقفة ثقافة تخصصية بحتة، والجهل بهذه المسائل لا يضر بل ربما يكون أجدى وأنفع، والمفترض أن تشغل الناس بما هو أهم، من المعارف والعلوم، وتركز على ما يرتقي بتفكيرهم ويفتق أذهانهم ويدلهم على الطريق الصحيح بعيداً عن التراشق بالكلام وعلو الصوت وهذا قال وهذا ما قيل، علق الثالث: (طيب وها القنوات وش تسوي بروحها، لازم تملأ ساعاتها)، ختم أحد الجالسين الحكماء في نظري بقوله: المفترض أن يكون لكل داعية، لكل قناة، لكل إنسان هدف محدد يضعه نصب عينيه ويرسم الطريق الذي يوصل لهذا الهدف ثم يتحرك مستعيناً بالله عز وجل متسلحاً بالعلم والدراية ومتوشحاً بالتخطيط السليم وعارفاً بمحطات الانتظار لا يلتفت لا إلى اليمين ولا إلى اليسار، لا يغريه طرب المعجبين ومديحهم ولا يلهيه كيد الكائدين وتجريحهم ومن ثم لا يجر إلى معارك جانبية تستنزف من جهده وطاقته وتأخذ من وقته وتوقفه مكانه فكل من أشغل نفسه في الرد وما يقال، وصرف جهده في متابعة ما يكتب في مواقع الإنترنت أو الصحف سواء الورقية أو الإلكترونية، وفرّغ نفسه لملاحقة مخالفيه، كل من كانت هذه صفته فسوف يجد نفسه مع الأيام ما زال يراوح مكانه وقد تقدم عليه الناس، وفاته حظ كبير من البناء والتكوين الفكري والثقافي الذي لا ينتهي إلا بالموت، بصدق أنا شخصياً أحترم هذا الرأي وأعتقد أن العاقل من جعل له نهايات واضحة ينتهي إليها ومعالم بينة يسير عليها وإلا صار حاطب ليل وربما عاد بخفي حنين مع كل الإجلال والتقدير لمن نذروا أنفسهم للرد والتفنيد وبيان المثالب والمنزلقات في المذاهب والأفكار والتيارات والتوجهات.

وإلى لقاء وكل عام وأنتم بخير.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد