Al Jazirah NewsPaper Tuesday  18/08/2009 G Issue 13473
الثلاثاء 27 شعبان 1430   العدد  13473
وجع الرحيل
فوزية ناصر النعيم

 

كل شيء نملك علاجه إلا الجرح الذي تركه الموت لنا برحيل حبيب طال بقاؤنا معه.. تقاسمنا سوياً رغيف خبز وشربنا معه كأساً من الحب وتذوقنا معه صنوفا من السعادة والفرح والترح وقضاء الحاجات.. لم أدرك أبداً أن (محمد) حينما كان يتكئ على كتفي في طرقات المستشفى أنها (تلك) كانت اتكاءته الأخيرة وإلا لوقفت هنالك حتى تدلهم على موتي منسأتي ونخر سوياً لنودع حياة ما عرفنا بها إلا رحيل أفراد قلوبنا ووجعها الذي لا يبرئ.. ما عرفت والله يا أبو هند وحسن ورغد وعاصم إن رقدتك ذاك الصباح تحت جهاز الإشعاع لن تمنحك مزيداً من الوقت وإلا لبكيتك منذ بدأت تتكئ على عكازتي وأنت كنت لنا عكازة نتكئ عليها كلما عصف بنا الدهر ونوائبه المؤلمة.. قالت فاطمة: ليت الموت رجلاً لقتلته ولله الحكمة البالغة لم يخلق الموت رجلاً لئلا يتقاتل الناس على قتله فكل أفقده أما وأبا وأخاً وأختا وحبيبا وصديقا حتى بدأنا نبتلع الدمع أمواسا ونتجرع الحزن أمواجا ونغرق في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من تحته سحاب ظلمات بعضها فوق بعض.. آآه يا محمد ولولا إن كنا من المسبحين للبثنا في همنا وحزننا إلى يوم يبعثون..

سامحني يا ربي فوالله ما جزعت من حكمك يوما ولكنه الألم استل من بين أحشائي وأوجعني رحيله تماماً مثلما رحلت مضاوي وأشعلت بعدها داخل جسدي شموعاً تحرق كبدي ولكن عزائي أنني كنت أراها في تجاويف قلبي تضخها مع الأوردة وأدعو الله لها وله ولهم مع كل شهيق وزفير بجنةٍ عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين..

لله درك ومرجعك (أبو حسن) انبهرت الناس من جنازتك التي تفوح مسكاً ويركض خلفها مثل جموع الحجيج يكبرون ويهللون ويدعون لك بالرحمة وما بردت جوارحي من لهيبها إلا حينما رأيت نور وجهك وابتسامتك وأنت ممدد على ذلك اللوح.. كانت نظرة أخيرة ظلت عالقة في عيني لم تفارقني أبداً.. يسجيني الحزن لرحيلك ووداعك وتسعدني نهايتك الجميلة وأحسبك عند الله من المستبشرين.. مزقتني فاطمة وهي تعانقك وأنت مسجى على لوحك وتطيل البقاء.. تنتظر منك أن ترفع يدك وتحيطها بها وتضمها إلى صدرك ولكن دون جدوى.. أحبتنا الذين يرحلون لا يمكن أن يحدثون حراكاً أو يعانقوننا ولكننا نعاتب كل لحظة مرت في حياتنا لم نكن فيها معهم ونطيل النظر إليهم.. ورحلت يا محمد ولم تأخذ معك صوتك الذي لايزال يرن في أذني وعطرك الذي يملأ أنفي وصورتك التي لا تفارق عيني ونبلك وجودك وطيبك الذي يسكن كل حواسي وجوارحي..

رحلت وتركت لي هماً يملك سياطاً كلما سلوت مزق ذاكرتي وأيقظ كل إحساس يفجر ينابيع الحزن والأسى.. رحلت ولا أملك لك ولي إلا دعوة أطلبها من الرحيم المنان يا مهون الشديد ويا ملين الحديد ويا من له كل يوم أمرُ جديد أخرجنا من الضيق إلى سعة الطريق وبحولك وقوتك ادفع عنا ما نطيق وما لا نطيق.. الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور.

- عنيزة



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد