Al Jazirah NewsPaper Friday  21/08/2009 G Issue 13476
الجمعة 30 شعبان 1430   العدد  13476
د. رابح دفرور أستاذ الشريعة بجامعة أدرار الجزائرية لـ «الجزيرة»:
سلاح الحرب الإلكترونية يستخدمه المبطلون للنيل من كتاب الله الآن

 

الجزائر- خاص بـ ( الجزيرة):

أكد الدكتور رابح بن أحمد دفرور الأستاذ المشارك بقسم الشريعة بجامعة أدرار بالجزائر أن البرمجيات والمواقع المناهضة للقرآن الكريم تعد وسيلة لدعاة الباطل الذين يحاولون التشكيك في كتاب الله والنيل منه، وهذا يفرض عل المسلمين خاصة المتخصصين في علوم البرمجيات النهوض في هذا الجانب وخدمة كتاب الله والرد على زيف هؤلاء المبطلين. جاء ذلك في حوار مع الدكتور رابح دفرور حول ندوة (القرآن الكريم والتقنيات المعاصرة.. تقنية المعلومات) التي ينظمها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف في المدينة المنورة خلال المدة من 24 ـ 26- 10- 1430هـ والتي يشارك د. دفرور ببحث فيها وفيما يلي نص الحوار.

* تشاركون في ندوة ( القرآن الكريم والتقنيات المعاصرة) التي سينظمها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في شوال القادم، ترى كيف ترون موضوع الندوة وأهميته الآن؟

- يعتبر موضوع الندوة الأساس موضوعا بالغ الأهمية حيث يعالج قضية معاصرة في منتهى الخطورة وهي المتمثلة في كيفية الاستفادة بصورة مشروعة من التقنيات المعاصرة في مجال خدمة القرآن الكريم: تسجيلا وتحفيظا وتدريسا وتفسيرا... وتحديد جملة الضوابط الشرعية التي يجب مراعاتها عند استعمال هذه التقنية؛ إذ ليس كل ما أبدع في هذا المجال مشروعا دون ضابط، وهذه الندوة يؤمل منها أن تحسم الخلاف، وتدرأ الاضطراب الناتج عن تباين الآراء في بعض تطبيقات التقنية الحديثة في مجال القرآن الكريم.

كما تظهر أهمية الندوة أيضا في إبراز دور مجمع الملك فهد في توظيف هذه التقنيات في خدمة القرآن الكريم، وفي هذا إشارة إلى ضرورة الإشادة بالجهود المتميزة التي يبذلها المجمع في هذا السياق، ودعوة المهتمين بهذا الميدان إلى التعاون والتنسيق مع المجمع، والإسهام بآرائهم وأفكارهم في تطوير ما توصل إليه المجمع.

* كيف ترون خطة المجمع في عقد الندوات العلمية لخدمة كتاب الله؟

- تعتبر خطة المجمع في تنظيم ندوات علمية متخصصة في القرآن الكريم والسنة النبوية خطة جادة، ومشروعا جليلا وتوجها رائدا في مجال خدمة كتاب الله وسنة رسوله، خاصة حينما نجد هذه الندوات تطرح موضوعات تعتبر من قضايا الساعة، وتعنى بمسائل تعتبر من نوازل العصر، وتحاول الإجابة عن تساؤلات كثيرا ما تطرح في الأمور المستجدة كهذه الندوة المتعلقة بالتقنيات المعاصرة وكيفية استغلالها في خدمة القرآن الكريم، وفق ضوابط شرعية. والندوة السابقة التي تناولت موضوع الاستشراق وأثره على القرآن والسنة، في حين يعتبر الاستشراق مشروعا غربيا مناهضا للقرآن الكريم والسنة المطهرة، والندوات الأخرى التي أبرزت عناية المملكة العربية السعودية بالقرآن والسنة، في حين تجد ذلك مهملا في كثير من البلدان التي تدعي الإسلام ولا تريد أن تقدم في سبيل ذلك شيئا.

* وماذا عن بحثكم الذي تقدمتم به للندوة؟

- بالنسبة للبحث الذي شاركت به في هذه الندوة المباركة وسمته ب: المصحف الإلكتروني وأحكامه الفقهية المستجدة، والفكرة الأساس فيه تتمثل في أن من النوازل التي نزلت بعصرنا الموسوم بالتطور التقني اكتشاف التقنيات الإلكترونية في مجال الصوتيات والمعلوماتية التي تم استخدامها في تطوير وسائل رسم المصحف، كما استعملت في تطوير آليات تسجيل الصوت، ودقة حفظه، وسهولة استرجاعه، فظهر ما يعرف حاليا بالمصحف الإلكتروني.

ولا تزال أحكام هذه النازلة محل نقاش عند الفقهاء المعاصرين، فما زال التساؤل في تسمية المصحف الإلكتروني مصحفا، ومهما كان جواب ذلك فهل الأحكام المتعلقة بالمصاحف الإلكترونية ملحقة بأحكام المصاحف الورقية المتفق عليها منذ عهد الخليفة عثمان -رضي الله عنه-، كحكم مسها من غير طهارة، وحكم بيعها وشرائها، وحكم القراءة فيها في الصلاة، وحكم وضعها في الأماكن النجسة... أم أن الطبيعة الإلكترونية لهذه المصاحف ومخالفتها للمصحف العثماني من عدة أوجه، تجعل أحكامها خلافا لأحكام المصحف الورقي، فيجوز في حقها ما لا يجوز في حقه؟

ويهدف هذا البحث إلى مناقشة جملة من الأحكام الفقهية المستجدة والمتعلقة بالتقنيات الإلكترونية المستعملة في المصحف الإلكتروني، وذلك عن طريق عرض مسائلها، وتحليلها، ومحاولة استنباط الحكم الملائم لها، مع تعزيز الحكم بالأدلة الشرعية التي تدل عليه، وكل ذلك بعد تحديد المفهوم من المصحف الإلكتروني.

* وماهي أبرز التوصيات في بحثكم؟

- لقد تطرقت في بحثي الذي تقدمت به إلى ندوة القرآن الكريم إلى جملة هامة من تلك الأحكام الفقهية المتعلقة باستخدام التقنية في القرآن الكريم، وإن كان بعضها لا يختلف عن أحكام المصحف الورقي، غير أن الطبيعة الإلكترونية للتقنية الحديثة جعلت بعض الأحكام تكيف بصورة مغايرة فتكون مختلفة تماما. ومن أمثلة ذلك مس المصحف الإلكتروني للمحدث والجنب فإنه لا يتصور مطلقا حيث يعتبر المصحف الإلكتروني مجرد ملف إلكتروني مخزن في ذاكرة الجهاز الذي يشغله، ولا يتصور فيه مس حقيقي؛ إذ مس الشاشة التي يظهر عليها القرآن، أو لوح المفاتيح التي بواسطتها تنتقل من صفحة إلى أخرى لا يعتبر مسا للمصحف الإلكتروني. وعليه لا داعي لبحث حكم مسألة مس المصحف الإلكتروني. وإن من أهم المسائل الفقهية التي تعرضت لها في البحث ما يلي:

المسألة الأولى: جواز القراءة في المصحف الإلكتروني في الصلاة

يظهر أن الراجح في هذه المسألة بعد مناقشة أقوالها أن القراءة في المصحف الإلكتروني في الصلاة النافلة كالقيام والتراويح في شهر رمضان جائزة، وأن الصلاة تقع بذلك صحيحة، سواء كان المصحف الإلكتروني محملا على الجوال أو مصحفا مستقلا أو غيره، وذلك لأن القارئ فيه لا يحتاج إلى كثير من الحركات ليقوم بتشغيله، وتمرير صفحاته. ومع صغر حجمه، وخفة وزنه، ووضوح كتابته يمكن الإمساك به وتمرير صفحاته في سهولة ويسر، وليس هذا العمل اليسير من شأنه أن يبطل الصلاة. وتكره القراءة في المصحف الإلكتروني في الصلاة المفروضة؛ لأنه لا يحتاج إليها عادة، إذ لا يكلف المصلي أن يقرأ في الصلاة إلا بما يحفظ من الآيات.

المسألة الثانية: إعداد آيات من المصحف الإلكتروني رنة للهاتف النقال

مما عمت به البلوى في هذا الزمان تباهي الناس حاملي بعض أنواع الهاتف النقال بأن رنة جهازه مجموعة من الآيات المحملة على ذاكرته، وخلاصة القول في هذه المسألة أن حكم استعمال آيات القرآن وكلمات الآذان بمثابة رنات للهاتف النقال المنع والحظر، لعدم الاحتراز عن اشتغال الجهاز وسماع التلاوة القرآنية في المواضع النجسة التي لا تليق بالقرآن الكريم أثناء طلب الاتصال، إذ الاتصال يأتي على حين غفلة، وفي قراءة تلك الآيات المحملة في تلك المواضع امتهان للقرآن واستخفاف به.

المسألة الثالثة: رفع المصحف الإلكتروني على المواقع المشبوهة

إن بعض المواقع الإلكترونية المفتوحة، والمنتشرة على الشبكة العنكبوتية لا تراعي للقرآن حرمة، ولا ترى له قداسة، ولا تنزهه عما لا يليق به، ولا تفرق بين ملفاته وبين ملفات فنون الإغراء والافتتان بما حرم الله، فترفع الجميع على صفحتها الرئيسة دون تمييز. ولا شك أن رفع المصحف الإلكتروني على مثل هذه المواقع يعد ضربا من الاستخفاف والاستهزاء بالقرآن الكريم، والامتهان له؛ وعليه فإنه مما تقتضيه حرمة المصحف وتنزيهه، الحكم بتحريم رفع المصحف الإلكتروني على مثل هذه المواقع المشبوهة التي لا يراعى فيها للمصحف حرمته الخاصة، خصوصا إذا كان الرافع يقصد بذلك الاستخفاف والاستهزاء بالمصحف.

المسألة الرابعة: نسخ المصحف الإلكتروني

إن الطبيعة الإلكترونية للمصحف الإلكتروني ساعدت على نشره، وسهلت عملية نسخه، وأتاحت فرصة الحصول عليه للجميع، بأيسر جهد وأقل ثمن، ومن جهة أخرى نجد هذه الطبيعة الإلكترونية قد صعبت تحكم مالك المصحف الإلكتروني في حقه، ومنع الآخرين من استعماله إلا بإذنه. ونظرا لهذا وذاك بحث الفقهاء حكم نسخ المصحف الإلكتروني إذا كان بإذن صاحبه، أو بغيره.

المسألة الخامسة: حكم الترميز وتلوين الأحكام في المصحف الإلكتروني

مما ظهر وشاع في زماننا أن أغلب المصاحف الإلكترونية ألحقت بها بعض الزيادات التي لم تكن في نص المصحف الأول، وشمل ذلك تلوين بعض أحكام التلاوة، والترميز لدلالتها... وكل ذلك بقصد تسهيل عملية القراءة، والإرشاد إلى أحكام التلاوة، وحثا على تدبر معاني القرآن...وهذا الأمر يظهر جوازه لحسن القصد منه، ولحاجة بعض الناس إليه في زماننا هذا، وترخيص بعض علماء السلف في مثله، غير أنه يشترط فيه ما يلي:

أولا: عدم المساس بأصل رسم العثماني وضبطه.

ثانيا: أن يكون هذا الترميز بألوان تخالف لون الرسم الأصلي حتى لا يظن أحد أنها من الرسم.

ثالثا: ألا يكون ذلك الترميز والتلوين موهما وموقعا في الخطأ بالنسبة لبعض المستعملين للمصحف.

المسألة السادسة: حكم جمع القراءات في مصحف إلكتروني واحد

لقد منع الإمام الداني مسألة جمع قراءات شتى في مصحف ورقي واحد إذا كان ذلك يؤدي إلى التخليط بين القراءات. والأمر نفسه ظهر في بعض المصاحف الإلكترونية اليوم، ويعتمد الحكم فيها على مسألة فصل القراءات في المصحف الإلكتروني، فإن كانت القراءات مفصولة عن بعضها بحيث تكون كل قراءة في ملف مستقل، ولا تظهر القراءات مجتمعة في صفحة واحدة، فلا مانع من هذا، لكن إذا ما كانت القراءات غير منفصلة عن بعضها، وكانت تعرض في الصفحة الإلكترونية نفسها فهذا مما يؤدي إلى الخلط بين القراءات، والتشويش على القارئ، وليس من ورائه فائدة ترجى فيكون منعه أولى حفاظا على سلامة المصحف من التغيير المفضي للخلط فيه.

وأما مسألة التفسير المصور واستعمال لقطات الفيديو التعليمية للتعريف بمعاني القرآن فهذه طريقة فنية حديثة ووسيلة إيضاح معاصرة ينبغي الاستفادة منها، ذلك لأنها تقرب المفهوم بلغة محسوسة وبشكل مباشر وبطريقة مشوقة، غير أنه يجب الحذر من إثارة بعض المعاني غير المقصودة أثناء عرضها واستعمالها، إذ يعد هذا تحريفا لمعنى القرآن الكريم.

* ولكن هناك سلبيات في استخدام هذه البرمجيات في مجال نشر كتاب الله؟

- لكل من هذه الوسائل التقنية الحديثة عموما والبرمجيات الخاصة بالقرآن الكريم خصوصا إيجابيات عديدة وفوائد متعددة في حين نجدها لا تخلو من بعض السلبيات القليلة وغير المقصودة فيها فهي لا تؤثر في حكمها، ولا تحد من كثرة منافعها. فهذه البرمجيات سهلت على طلاب العلم والباحثين الوصول إلى المعلومة المطلوبة، والمفردة المرادة المتناثرة في ثنايا صفحات الكتب الكثيرة، والعثور على نصوص مقصودة، والمقارنة بينها وبين شبيهاتها في كتب أخرى وغير ذلك من الفوائد التي تقدمها هذه التقنيات، وإن من سلبياتها القليلة وغير المقصودة كون الباحث لا يتمكن من الاستفادة بما يرافق المعلومة التي يبحث عنها كما كان الباحثون القدامى يستفيدون بحيث قد يتطلب البحث عن مسألة فقهية- قديما- قراءة جملة من الكتب كاملة حتى يتمكن من تحرير تلك المسألة. وفي تلك الجولة يكون الباحث قد استفاد من أمور كثيرة منها الوقوف على منهج صاحب الكتاب، والاطلاع على أسلوبه وأدبه في الكتابة، والتعرف على المسائل الأخرى التي جاءت في الكتاب وغير ذلك من الفوائد التي تحصل من قراءة الكتاب كاملا، وكل ذلك لا يمكن أن يحصل للباحث الذي يستعين بالحاسوب في استخلاص المعلومات. والخلاصة أن للتقنية الحديثة فوائد جمة لا تنكر، وسلبيات قليلة لا تكاد تذكر مع فوائدها، ويخطئ من يعتبر أن هذه الوسائل هي وسائل للتعليم أساسا، وإنما هي وسائل بحث ومساعدة على تحصيل المعلومة فقط، ولا يستحسن الاعتماد عليها لوحدها.

* كيف ترون التنسيق بين الجهات العاملة في حقل خدمة كتاب الله؟

- إن التنسيق بين الجهات العاملة في حقل خدمة القرآن الكريم مسألة تعد ضرورة واقعية، لا يمكن أن تثمر جهود العاملين إلا به، حيث تتكاثف الجهود، وتوضع الخطط لتحقيق الأهداف المرجوة، ويستفاد من أفكار الباحثين، ومن نتائج العاملين، ويتحاشى التكرار والاجترار لموضوعات تكون قد بحثت ومسائل قد درست. وأما العمل الفردي فلم يعد من يحقق فائدة تستحق أن تذكر في أيامنا هذه.

* ولكن هناك مواقع تعلن الحرب على كتاب الله كيف نواجهها؟

- إن هذه البرمجيات والمواقع المناهضة للقرآن الكريم تعد وسيلة لدعاة الباطل، بها يضللون الناس ويشككون في القرآن الكريم وينالون منه، فتجدهم ينشرون على بعض مواقعهم مصاحف محرفة لفظا، ويرفعون مصاحف إلكترونية في مواقع لا تراعي للقرآن حرمة... وربما نجد بعضها راحت تستعمل سلاح الحرب الإلكترونية في هذه المعركة، وهذه سنة في الصراع بين الحق والباطل، غير أنه لا بد من مواجهة هذه المواقع بالتحذير منها، والتعليق على ما تنشره من جديد في هذه المسألة، وبيان وجه الباطل الذي تنشره، ويكون ذلك بمهاجمة مواقعها، ومعرفة أصحابها، وكشفهم وتعزيرهم إن كانوا مما يقدر عليهم.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد