Al Jazirah NewsPaper Friday  21/08/2009 G Issue 13476
الجمعة 30 شعبان 1430   العدد  13476
وهم (الرأي الآخر): محمد بن عبد اللطيف أنموذجاً

 

كتب الأستاذ محمد عبد اللطيف آل الشيخ مقالة بعنوان: (لمجرد التوضيح)، وذلك في 4 شعبان، 1430، عدد رقم 13450، وفيه تحدث عن منهجه في الكتابة وكيف أنه يكتب بتجرد لا يعلمه إلا الله ،وأنه طيلة عمره الكتابي لا يكتب إلا بحثاً عن الحق، وأنا هنا لا أشكك فيما يقول، لكن ليسمح لي أن أسجل هذا الانطباع الشخصي عن كتاباته، وهي نتيجة متابعة ليست بالقصيرة لبعض مقالات الأستاذ في هذه الجريدة، وأرجو أن يتسع صدره لها.

ظهر لي من خلال تلك المتابعة لبعض ما يكتب الأستاذ محمد أنه لا يقبل الرأي المخالف أبداً، ولا أظنه يؤمن به إلا نظرياً فقط. وأنا حينما أقول إن الأستاذ لا يؤمن أبداً بالرأي الآخر فليس هذا حكماً مرسلاً جاء من غير استقراء ولا تصور، وإنما هو كما قلت وحي متابعة لكثير من كتاباته، سأذكر بعضها في هذا التعقيب.

فمثلاً في مقالة له بعنوان: (عزل المرأة يعني عزل المملكة عن العالم) تحدث الكاتب عن قرار رفض الاتحاد الدولي لرياضة السيارات (فيا) انضمام رالي حائل الدولي إلى روزنامة بطولة العالم لراليات (الباها) كما كان مقرراً، نظراً لرفض منظمين مشاركة النساء المتسابقات الدوليات في السباق، الأمر الذي تعارض مع أنظمة الاتحاد الدولي). وقال مهاجماً مخالفيه بالحرف الواحد: (أعرف أن كثيراً من البسطاء، والمكابرين، من أولئك الذين لا تتجاوز رؤيتهم أطراف أنوفهم، لا يكترثون بمثل ذلك، إما لأنهم يجهلون تبعات (العزلة) على المستوى السياسي والاقتصادي، وإما أنهم من أولئك (المتطرفين) الذين كانوا ينادون بالانسحاب من كل المحافل الدولية). فلو يلاحظ القارئ الكريم بأن الأستاذ محمد حشر مخالفيه بين طائفتين؛ إما أنهم أغبياء سذج، وإما أنهم متطرفون! والأستاذ محمد دائماً ما يحاول أن يضع المخالف له في قفص الاتهام بالتشدد أو التطرف حتى يتسنى له أن يهاجمه بما يريده من الكلمات!

وفي مقالة بعنوان: (لفتة جيدة من الشيخ) تحدث عن فضيلة الشيخ عبدالله المنيع وأثنى على الرسالة التي كتبها إلى الرئيس الأمريكي أوباما، وكان هذا الثناء في ثلاثة أسطر فقط، ثم تحول بعد ذلك في المقال إلى القول: (مشكلة بعض علمائنا (التقوقع) في الذات، ورفض الآخر، والميل إلى التشدد، والفظاظة، وأحياناً التسفيه بالآخرين، واستخدام لغة التجهيل، وكذلك احتكار المعرفة، وفي المقابل نزعها من الآخرين) وليس هذا الكلام مقصودي من إيراد المقطع لكني أرجو أن يقرأ المقطع التالي الذي كتبه مباشرة بعد كلامه السابق، حيث قال الأستاذ: (وأنا على يقين أن كثيراً من العقليات التي تميل إلى التشدد، والغلظة مع المخالف، والإغراق في التشبث بالأنا وتمجيدها، لن تستسيغ مثل هذا الخطاب) فالنتيجة إذن إما أن تقبل أيها القارئ ما يكتبه محمد آل الشيخ عن بعض العلماء وتسلم له بهذه الأوصاف التي وصف بها بعض العلماء: (التقوقع) (الميل إلى التشدد والفظاظة) (تسفيه الآخرين) (احتكار المعرفة)، وإلا فإن عقليتك (تميل إلى التشدد والغلظة)!! أرأيتم كيف يحاصر القارئ الأستاذ؟!

وفي مقالة له بعنوان: (رفضها الإمام مالك وطلبها متشددونا): كتب الأستاذ في آخرها: (القارئ عبد المجيد القاسم كتب مداخلة على ما أقول سطرها في رد له مطول في (عزيزتي الجزيرة) الثلاثاء الماضي، له ولأمثاله أقول: اقرأ ما كتبته هنا بتمعن، وستجد فيه رداً على ما تقول) فلم يكلف الأستاذ نفسه بمناقشة فقرة واحدة مما كتبه، وإنما طالبه هو (وأمثاله) بتمعن ما يكتب فقط وسيجدون فيها كل الأجوبة على كل الأسئلة! وهذا الموقف المتعالي تجاه القارئ يؤكد حضور النرجسية والأنا المتضخمة في مقالات الأستاذ!

وفي مقالة له بعنوان: (رأي في المقاطعة) كتب الأستاذ منتقداً بعض الفتاوى التي تشير للمقاطعة الاقتصادية، ولأن الأستاذ لا يرى هذا الرأي فضاق صدره بالرأي المخالف، ووصف هذه الفتاوى بأنها (ذات صبغة سياسية) وأنه تدخل ضمن حيز التساهل، والتعجل! ولكي يدرك القارئ الكريم مساحة عدم الدقة التي وقع فيها الأستاذ فإن هذه الفتاوى التي يهاجمها لا يوجد في واحدة منها إلزام بالمقاطعة بل غاية ما ترى أنها مشروعة ومستحبة، وليس على من تركها حرج إلا إذا ألزم ولي الأمر بها.

وفي مقالة للأستاذ بعنوان: (ثقافة حقوق الإنسان): كتب منتقداً الذي يطالبون الدولة والناس عدم الانهزام أمام ضغوط الدول الكبرى فقال واصفاً لهم: (أعرف أن هناك من سيطالب برفع راية الصمود والتحدي، والتعامل مع هذه القضية (باللامبالاة). غير أن رهاننا الحقيقي ليس على أصحاب العواطف الساذجة، والبطولات (الجوفاء))، فمن يطالب بالصمود والثبات هو في نظر الأستاذ من أصحاب البطولات الساذجة، وغني عن القول التذكير بأن التنازل في كل شيء كالثبات في كل شيء! بل هما وجهان لعملة واحدة! والذكي المحترف هو من يثبت في موضع الثبات ويتنازل في موضع التنازل.

وفي مقالة للأستاذ بعنوان: (ليست الهيئة فقط هي المسؤولة) تحدث فيه عن موقف الهيئة من الاختلاط، وقال بالحرف الواحد: (وبعيداً عن رأيي في (الاختلاط)، والذي أرى أنه قضية على الأقل (خلافية)، مهما حاول المتشددون أن يجعلوها محل إجماع). فالأستاذ الكريم يرى أن مخالفيه الذين يقولون بالإجماع على حرمة الاختلاط هم من فئة المتشددين! رغم أن مسألة الاختلاط من المسائل المسكوت عنها نظرياً في الفقه الإسلامي لكن الناظر في النصوص برؤية متجردة سيجد أن مسألة اختلاط الرجال بالنساء دون الضرورة أو الحاجة التي تدعو المرأة إلى ذلك هي في حكم المسألة المجمع عليها عند العلماء، ويتبين هذا من تخريجات بعض الفقهاء في المسائل المتعلقة بهذه المسألة كسفر المرأة وأحكام الخلوة، لكن الأستاذ مصرّ على أن من يجعل المسألة مجمع عليها هو في نظره إنسان متشدد!

وفي مقالة بعنوان: (سينما الليلة وبارحة التلفزيون) شن الأستاذ حملة على من يخالفونه في الرؤية تجاه السينما وقد بدأ مقالته بقوله: (مشكلة كثير من الطيف (المتشدد) في بلادنا أنهم لا يتعلمون من التاريخ)! وهذا يؤكد ما قلته سابقاً أن معيار التشدد عند الأستاذ هو مخالفته لشخصه الكريم! ثم يذهب الأستاذ موغلاً في هجاء مخالفيه (في الرأي) ويضعهم بين خيارين لا ثالث لهما: (إما أن نغلق أبوابنا، وسماءنا، وموانينا الجوية والبحرية والبرية عن العالم، وعن ثقافة العالم، و(نتكلس) كما كانت تفعل طالبان، أو (ننفتح) ونتعامل مع هذه النوازل التي لا يمكن لنا مقاومتها)! وهذه عادة الأستاذ في حصار خصومه: إما أن تأخذ برأيي ورؤيتي أو أنك متشدد!

والأستاذ لا يضيق فقط في الأقوال والآراء العامة التي تخالف رأيه وإنما يحتج ويتدخل حتى في القرارات الشخصية التي يختلف مع أصحابها فكرياً، فمثلاً في مقالة بعنوان: (محمد عبده وعايض القرني) حشر الأستاذ نفسه في موضع شخصي ليست له به علاقة من قريب أو بعيد فقال محتجاً على تخصيص الشيخ عائض القرني جائزة بمبلغ مليون ريال لمن يعارض قصيدته فقال الأستاذ: (بودي أن أسأل الدكتور عايض القرني سؤالاً واحداً: أليس من الأفضل أن يتبرع الشيخ بهذا المليون في الأعمال الإنسانية النبيلة بدلاً من (تبذيرها) في هذه الممارسات الدعائية الرخيصة؟) وهنا أسأل: أليس هذا النقد ينافي مفهوم الحرية التي دوخنا الأستاذ بالحديث عنها كل يوم؟

وفي مقالة تنضح بالضيق والتشدد يعنون الأستاذ لها بقوله: (خراط (زغلول) باشا!) وفيه صب الأستاذ جام غضبه على الدكتور زغلول النجار المتخصص في الدراسات القرآنية، وأنه (خراط) (يعيش كالطحلب على اختراعات الغربيين) وأنه صاحب (خزعبلات)! وأنا هنا لا أصادر رأي الأستاذ بالاختلاف مع الدكتور زغلول، إذ من حقه أن يبدي رأيه فيما يقول ويكتب، لكن الذي أعترض عليه هو هذه الأساليب التي يتعامل بها الأستاذ مع من يختلف معهم! وهذا الموقف العنيف من الأستاذ تجاه الدكتور زغلول يؤكد على مسألة مركزية مهمة، وهي خطورة تدخل غير المختصين في الخلافات العلمية، وذلك أنهم يحولون الخلاف في الرأي إلى اختلاف في المنهج، فالأستاذ محمد مع احترامي لعقله وعلمه هو غير متخصص بالنسبة لهذا العلم - أعني علم الإعجاز القرآني - ولذلك حول الأستاذ خلافه في الرأي مع الدكتور زغلول إلى خلاف في المنهج، فذهب بعد أن وصفه بالعبارات التي ذكرنا إلى تصنيفه ووضعه في خانة الصحويين!! ولو كان الأستاذ متخصصاً في هذا العلم لوسعه ما وسع غيره ممن يختلفون مع الدكتور زغلول في أصل هذا العلم، وركز نقاشه على الجانب العلمي دون الجانب الشخصي!

وقبل أن أختم هذا التعقيب: أذكر الأستاذ بما قاله في مقاله الأول: (لمجرد التوضيح) بأنه يكتب من (منطلق وطني بحت) أذكره بأن هذا الوطن الذي نسكنه ونتفيأ ظلاله لم يتعاف بعد من أزمة الإرهاب التي عانى منها طويلاً، ولذا فنحن أحوج ما نكون اليوم إلى الكتابات المتسامحة، والقلوب الصافية التي تحمل الحب والاحترام لمن يختلف معها بنفس القدر الذي تحمله لمن يتفق معها، وهذه الروح المتسامحة كفيلة بإذن الله بإزالة بعض الانسدادات الفكرية التي نعاني منها. أما تصعيد اللغة وتوسع دائرة الاتهام وحشر كل المخالفين في زاوية واحدة وشطب كل المناطق المحايدة، فهذه لا تزيد النار إلا اشتعالاً، وإفسادها يزيد على إصلاحها.

أخيراً: إذا كان الأستاذ - كما يقول - يكتب وهو يعلم أن الله سيحاسبه على ما يكتب فإنه يتحتم في حقه أن يراجع كل حرف يكتبه، وأن يستفرغ وسعه وجهده في التجرد والموضوعية, وأن ينأى بنفسه عن الخوض في مكنونات القلوب، وأن يعود نفسه على احتمال الرأي المخالف مهما كانت درجة المخالفة. والله أسأل أن يوفقنا جميعاً لخيري الدنيا والآخرة.

د. خالد بن عبد العزيز العنزي
القصيم بريدة



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد