Al Jazirah NewsPaper Saturday  22/08/2009 G Issue 13477
السبت 01 رمضان 1430   العدد  13477
سلطات الدولة في التنظيم السعودي وعلاقتها ببعضها البعض
محمد عواد الأحمدي

 

تحصر النظم السياسية وظائف الدولة الحديثة حسب النظرة السائدة في ثلاث وظائف رئيسية؛ الوظيفة القضائية والتشريعية والتنفيذية، وذلك ما يعبر عنه القانونيون عند الحديث عن تنظيمات الدولة الحديثة بسلطات الدولة الثلاث؛ السلطة القضائية التي تتولى تطبيق القانون للفصل في النزاعات والخصومات، والسلطة التشريعية التي تضع القوانين والنظم، والسلطة التنفيذية التي تنفذ تلك القوانين.

ومن النظريات والمبادئ المهمة التي تنظم علاقة تلك السلطات ببعضها البعض مبدأ الفصل بين السلطات، وهذا المبدأ يعد من المبادئ المهمة في التنظيمات القانونية للدول على المستوى العالمي، ويضمن مبدأ الفصل توزيع السلطات بين هيئات ومؤسسات الدولة المختلفة، مع ضمان نوعٍ من الاستقلالية لكل سلطة، بما يحقق العدالة ويحفظ الحقوق ويضمن حسن أداء الدولة لوظيفتها، ويمنع من استبداد بعض سلطات الدولة وتفردها دون غيرها بالسلطات الأخرى، مما يتسبب في عدم انتظام الأمور وضياع الحقوق العامة والخاصة.

وقد مر مبدأ الفصل بين السلطات بعدة مراحل تطور فيها مفهومه من الفصل التام إلى ما يمكن تسميته بالفصل التكاملي أو التعاوني، ويتشكل مفهوم الفصل وفق سياسة وثقافة وطبيعة كل دولة، وتختلف تطبيقاته باختلاف تلك السياسات والثقافات، ولذلك فإن لكل دولة - في الجملة - خصوصيتها في تطبيق هذا الفصل، كما أن لها طريقتها في تنظيم مرافقها وأجهزتها العامة.

يقول معالي وزير العدل الدكتور عبدالكريم العيسى حول ما يحصل من لبس في مفهوم الفصل بين السلطات في كلمة له في موقع الوزارة على شبكة الإنترنت: (ويحسن التنبيه على أن الكثير من اللبس في مفهوم الفصل بين السلطات ناتج عن تبني شكل معين في مفهوم الفصل يتقاطع مع المفهوم الذي تبنته الدولة الأخرى في تنظيم مرافقها وأجهزتها الحكومية، والمتعين استصحاب نموذج كل دولة، ومن ثم التفريع عليه بنظرية الفصل بين السلطات لينسجم مع أسلوبها في تنظيم مرافقها وأجهزتها، حتى لا يطغى - اللبس - على إيجابية التكامل والتعاون بين السلطات المنشود في كافة الدساتير).

والمقصود من مبدأ الفصل بين السلطات ليس هو الفصل التام بين سلطات الدولة الثلاث، بحيث لا يكون هناك صلات أو علاقات بين تلك السلطات، إذ لا يتصور إمكانية تطبيق ذلك بين سلطات الدولة على أرض الواقع، كما لا يمكن على الإطلاق أن تستقل أي سلطة أو تستغني بشكل كامل عن باقي السلطات الأخرى أياً كانت تلك السلطة، فجميع تلك السلطات تعمل في النهاية تحت كيان واحد وفي دولة واحدة، والكل يشترك في تحقيق نفس الأهداف، وذلك يستدعي ضرورة وجود قدر من العلاقة المشتركة بين تلك السلطات الثلاث، يتسنى معه أن تتعاون تلك السلطات فيما يخدم الصالح العام لتحقق التكامل المنشود، وهذا المعنى هو الأقرب للواقع ولمقتضى التطبيق العملي.

فمن المعلوم أن للسلطة القضائية الحق في محاسبة مؤسسات وهيئات السلطة التنفيذية عند حصول تجاوز للنظام وتعد على حقوق الآخرين، كما أن لهم الحق في إلغاء أو الامتناع عن تطبيق النظام المطعون بعدم دستوريته من خلال المحاكم الدستورية، كما أن للسلطة التشريعية الحق في الرقابة على أداء السلطة التنفيذية لضمان حسن أدائها لوظيفتها، والسلطة التنفيذية هي المعنية بالشئون الإدارية والمالية للسلطة القضائية، وهذا وغيره يظهر جانبا من العلائق الموجودة بين سلطات الدولة الثلاث والتي تؤكد أن مبالغة بعض القانونيين عند الحديث عن الفصل بين سلطات الدولة والمطالبة بالفصل التام، ونقدهم لكافة مظاهر التعاون والعلاقات المشتركة بين تلك السلطات لا يعدو أن يكون إغراقاً في التنظير، وإسرافاً في المثالية، وبعداً عن الواقعية.

وعند التأمل في التشكيل التنظيمي لتلك السلطات الثلاث في المملكة العربية السعودية نجد أن المنظم السعودي أسند السلطة التنظيمية إلى مجلسي الوزراء والشورى، حسبما تشير إليه المادة (67) من النظام الأساسي للحكم، فمجلس الشورى له الحق في دراسة الأنظمة واللوائح واقتراح ما يراه مناسباً حيالها، وله الحق في اقتراح أنظمة جديدة أو تعديل أنظمة سارية المفعول، ولكن لا يتفرد باعتماد تلك المقترحات، بل يرفعها إلى رئيس مجلس الوزراء الذي يقوم بإحالتها إلى مجلس الوزراء للنظر فيها، ودراستها، والتصويت عليها، فإن اتفقت وجهة نظر المجلسين صدرت القرارات بعد موافقة الملك عليها، وإن اختلفت فللملك حق إقرار ما يراه مناسباً، وذلك حسب المادة (17) من نظام مجلس الشورى والمادة (21) من نظام مجلس الوزراء، كما تسهم جهة أخرى بدور مهم وفعال في العمل التنظيمي يمكن بناءً عليه أن نعدها جهة مساعدة في السلطة التنظيمية وهي هيئة كبار العلماء، وذلك باعتبار أن الحكم في المملكة يستمد سلطته من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهما الحاكمان على جميع أنظمة الدولة حسب نص المادة (7) من النظام الأساسي للحكم، وهيئة كبار العلماء هي المرجع المعتبر والجهة الحكومية المختصة بإصدار الفتوى الشرعية حيال ما يشكل من المستجدات والمتغيرات ويحتاج إلى نظر شرعي متخصص، وقد أشارت إلى ذلك المادة (45) من النظام الأساسي للحكم.

كما أسند المنظم السعودي السلطة التنفيذية إلى مجلس الوزراء باعتباره مجلساً مكوناً من نواب رئيس مجلس الوزراء، والمناط بهم تنفيذ أنظمة وقرارات الدولة عبر المصالح الحكومية التي يرأسونها حسب ما نصت عليه المادتان (19-24) من نظام مجلس الوزراء، بينما أسند السلطة القضائية إلى محاكم القضاء العام والقضاء الإداري (ديوان المظالم).

وبناء على ما سبق فإننا نجد أن المنظم السعودي قد جمع في تشكيله التنظيمي لسلطات الدولة بين السلطتين التنظيمية والتنفيذية في هيئة حكومية واحدة وهي مجلس الوزراء، فمجلس الوزراء يعد سلطة تنظيمية أو تشريعية في الدولة من ناحية اختصاصه بإصدار التشريعات والنظم، كما يعد من ناحية أخرى ممثلاً للسلطة التنفيذية في الدولة، مع ملاحظة أن المنظم قد منح الصفة التنظيمية لمجلس الوزراء بمجموعه وليس لآحاد الوزارات الممثلة فيه، بينما منح الصفة التنفيذية للمجلس بمجموعه، ولكل وزارة أو مصلحة حكومية بمفردها، وأما فيما يتعلق بالسلطة القضائية فقد عمل على استقلاليتها عن سلطتي التشريع والتنفيذ.

وقد جعل المنظم السعودي العلاقة بين تلك السلطات الثلاث علاقة تعاون وتكامل في أداء وظائفها وفقاً لأنظمة الدولة، كما جعل من الملك مرجعاً لجميع تلك السلطات بوصفه ملكاً وليس بوصفه رئيساً لمجلس الوزراء، كما في المادة (44) من نظام الحكم.

ويظهر تطبيق المنظم السعودي لمبدأ الفصل بين السلطات بوضوح في علاقة السلطة القضائية بسلطتي التنفيذ والتشريع خصوصاً الأولى منهما، فالعمل الفني للقاضي يسير بشكل مستقل، ولا يحق لأي جهة كانت أن تتدخل فيه، حتى ولو كانت وزارة العدل أو المجلس الأعلى للقضاء أو حتى رئيس المحكمة، فضلاً عن غيرهم من الجهات أو الأشخاص، وليس هناك ارتباط بين سلطة القضاء والسلطة التنفيذية إلا في الترتيبات والإجراءات الإدارية والمالية، وفي تنفيذ الأحكام القضائية.

وتأكيداً لاستقلالية السلطة القضائية فقد استهل المنظم السعودي نظام القضاء بالمادة الأولى والتي تنص على أن: (القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم في قضائهم لغير أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية، وليس لأحد التدخل في القضاء)، وقد اشتمل هذا النظام وغيره ضمانات متنوعة ومختلفة لاستقلالية السلطة القضائية لعله أن تتاح فرصة قادمة بمشيئة الله للحديث حولها.

-المدينة المنورة



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد