Al Jazirah NewsPaper Saturday  22/08/2009 G Issue 13477
السبت 01 رمضان 1430   العدد  13477
عندما تتحول المآتم إلى احتفالات
د. جرمان أحمد الشهري

 

الموت حق، وكل نفس ذائقة الموت، وبعد أن توارى جثة الميت إلى مثواه المرحلي (وليس الأخير) المرحلي، لأن إداركنا وعلمنا نحن البشر لا يتجاوز دفن الميت وتغطيته بالتراب، أما ما بعد ذلك فهو من علم الغيب وأمره عند رب العالمين، رحمة الله على أمواتنا وأمواتكم وجميع موتى المسلمين.. ومن تعاليم الإسلام وهديه إحياء سنة العزاء ومواساة أهل الميت مصابهم لمدة ثلاثة أيام، سواء حضورياً وهو السنة، أو بأي وسيلة اتصال متاحة لمن متعته ظروفه عن حضور العزاء.. ما أود قوله أن لدينا في المجتمع السعودي ثلاث فئات - على حد علمي - ممن يقيمون العزاء حسب طبيعة وعادات كل فئة، فالأولى تتبع الهدي النبوي الكريم في إقامة العزاء، وهؤلاء الكرام يشاركون في الصلاة على الميت وتشييع الجنازة ودفنها، ثم يقدمون واجب العزاء دون أن يكلفوا على أهل الميت بأي تكاليف مادية، بل يتسابقون في إطعام أهل الميت حتى تنتهي أيام العزاء، متبعين في ذلك توجيه نبينا الكريم عندما قال صلى الله عليه وسلم: (أطعموا آل جعفر طعاما فقد أتاهم ما يشغلهم)، أما الفئة الثانية فهي التي تحول أيام العزاء إلى أيام احتفالية إن جاز التعبير، فهم أولئك الناس الذين يقيمون السرادق في الشوارع العامة، فيغلقون الشارع على الناس لمدة ثلاثة أيام، ويصاحب ذلك ظواهر وطقوس - لا أرى لها أي مبرر - من استئجار لوازم الأفراح كالسجاد والكراسي وعقود الإضاءة الكهربائية وخلافه، هذا فضلاً عن تأمين كراتين الماء البارد وأطباق التمر وترامس القهوة والشاي التي تدار على مدار الساعة، ثم تتوج هذه الاحتفالية بالعشاء الدسم من (المفاطيح) وتوابعها، مما يرهق أهل الميت مادياً ويحول عزاءهم إلى (مضيافة)، وقد تتوسع الفئة الثالثة في زيادة الطقوس فتأتي بقارئ يتلو القرآن الكريم طوال أيام العزاء أو يتم تشغيل شريط تلاوة لأحد القراء كحد أدنى، ولقد أخبرني أحد الأصدقاء المنتسب إلى الفئة الثانية، حيث قال: إن تلك الفئة والتي تبلغ أكثر من مائة شخص في كل مدينة، عندما يصلون على الميت ويشاركون في التشييع والدفن، يتوجهون جميعهم إلى الشارع الذي يقع عليه بيت الميت، والذي أعد مسبقاً من طرف أهل الميت لاستقبالهم، فيبقون هناك من بعد صلاة العصر حتى يؤذن لصلاة العشاء، لاستقبال التعازي مع أهل الميت، مع ما يصرف لهم من قبل أهل الميت من الماء والشاي والقهوة والتمر، ويتخلل تلك الفترة أن يكلفوا أحدهم بمهمة تأمين العشاء، فيقوم بجباية الأموال من الحاضرين بمقدار ما يكفي لتأمين ذبيحتين أو ثلاث، ويحضرها لهم بعد صلاة العشاء في نفس الموقع كوجبة عشاء، ويكررون ذلك طيلة أيام العزاء!! في مناظر احتفالية لاتتناسب مع أجواء الحزن المخيمة على أهل الميت، وقد حاول صديقي أن يمنعهم من هذه الطقوس والمظاهر الاحتفالية، مقترحاً عليهم، بأن يكتفوا بالمشاركة في الصلاة على الميت وتشييعه ودفنه وتقديم واجب العزاء في المقبرة، ويقتصر حضور العزاء بمنزل أهل الميت - وليس بالشارع - على أهل الميت وأقاربه فقط لاستقبال المعزين، وعليهم إن أرادوا الخير وإتباع السنة أن يتوزعوا تأمين الطعام لأهل الميت (وليس لهم) بمعدل ثلاث وجبات يومياً ولمدة ثلاثة أيام، ولكنهم لم يستجيبوا لهذا المقترح وما زالوا مواصلين احتفاليتهم مع كل حالة وفاة، ولكون ذلك الصديق ينتسب لهم فلم يستطع الفكاك منهم ومن عاداتهم، بالرغم من أنه لا يؤمن بطقوسهم ولا يؤيد سلوكياتهم في العزاء، ولكنه يحضر فقط ويدفع معهم تكاليف (عشاهم) ليليا دون أن يشارك في التهام العشاء وإحياء الاحتفالية.



jarman4444@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد