Al Jazirah NewsPaper Tuesday  25/08/2009 G Issue 13480
الثلاثاء 04 رمضان 1430   العدد  13480

الشيخ عبدالله بن عدوان في ذاكرة محبيه
عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف

 

وما أحد كان المنايا وراءه

ولو عاش أياماً طوالاً بسالم

البعض من بني الإنسان في هذا الوجود مهما تطاول به الزمن، وعاش في عز ومنعة، وتربع على كثير من قمم المناصب الحكومية وكثير من الأعمال الإدارية والتجارية -مثلاً- وحظي بمكانة سامية في محيطه الأسري والاجتماعي، وبسط في الرزق إلا أن كل ذلك لا يمكنه بالاستمرار بديمومة الحياة، والتمتع بأطايبها بل يتلاشى ذلك كله وينتهي تماماً إذا انقضت مدة رحلته الحياتية المقدرة أيامها ولياليها قبل أن يستهل صارخاً قادماً من عالم الغيب المحجوب إلى عالم مشرق على أديم الأرض والسير في مناكبها.. فمثل أولئك -أبو عبدالرحمن- معالي الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن عدوان الذي بلغ المدى في تسنم أعلى المراتب وأشرفها في خدمة وطنه وأهله..، فلم تعطه تلك فسحة من العمر فوق ما سطر في عالي جبينه منذ الأزل..، حيث انتقل إلى الدار الآخرة قبل أن ينتصف مساء يوم السبت 2-10-1412هـ مأسوفاً على فراقه، وخلو شخصه من داره -تغمده الله بواسع رحمته- وهذه سنّة المولى في عباده وسائر مخلوقاته، قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} (40) سورة مريم.. وكانت ولادته في حريملاء عام 1329هـ وقد باكره اليتم حيث توفي والده، ثم توفيت والدته وعمره سبع سنين، فنشأ يتيماً عند أعمامه وأخواله آل صالح إخوان أبيه من أمه، ثم دخل كتَّاب حريملاء على يد المقرئ - المطوع- حمد بن داود، وحفظ عدداً من أجزاء القرآن الكريم وكانت مخائل الذكاء تلوح على محياه، فأمرت جدته لأبيه طرفة الجمازية -وكانت من فضليات النساء- ابنها سعد بن صالح الذي كان يدرس بمسجد الشيخ عبدالله بن عبداللطيف بالرياض بأن يأخذه معه، ثم نزل في حجرة من حجرات المسجد مع عمه سعد وكان عمره -آنذاك- 12 سنة، ثم استمر في حفظ القرآن الكريم وتحسن خطه.. بعده انضم إلى حلق العلم، فقرأ على الشيخ حمد بن فارس، والشيخ محمد بن عبداللطيف، وقرأ على الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ -رحمهم الله جميعاً- وقد أعجب مشايخه به وبنجابته، وسرعة قابليته في الفهم والحفظ، وبملامح الرجولة بشخصه، ومنطقه الجزل في معانيه رغم حداثة سنه..، حتى بلغ بمشايخه التنويه والإعجاب بما يتحلى به ذاك الشاب في مجالس الملك عبدالعزيز، وبحضور بعض الأمراء أمثال صاحب السمو الملكي الأمير سعود الكبير، وكان يبحث عن طالب علم ليقرأ عليه في الحديث ويكتب رسائله، ورسائل زوجته نورة بنت الإمام عبدالرحمن الفيصل أخت الملك عبدالعزيز التي كان يعتزي بها إذا حزبه أمر قائلاً: (أنا أخو نورة أنا أخو الأنوار) لما لها من مكانة عالية، وحنكة ودراية بأبعاد الأمور، وصفات كريمة ميزتها على أترابها ونظائرها -رحمهم الله جميعاً- فبعث مندوباً لإحضار الشاب عبدالله بن عدوان ليسمع صوته ويدون أنموذجاً من خطه، ثم تم قبوله لديه، وبعد فترة من الزمن طلبه صاحب السمو الأمير محمد بن عبدالرحمن أخو الملك عبدالعزيز ليكون كاتباً في شئونه الخاصة وإماماً له..، وكان الملك عبدالعزيز يزور أخاه على فترات متقاربات فعرفه الملك عن قرب ثم طلبه من أخيه محمد فأمر بتعيينه ضمن هيئة التفتيش والأعمال الهامة بعد ذلك تقلب في عدد من المناصب الهامة أبرزها تعيينه مسؤولاً كبيراً عن المالية بالمنطقة الشرقية وممثلاً للحكومة لدى شركة أرامكو العملاقة وعلى الجمارك هناك..، لما يتمتع به من حنكة وقوة شخصية ودراية وأمانة، ولله در القائل:

عليك بأرباب الصدور فمن غدا

مضافاً لأرباب الصدور تصدراً

وأخيراً عيّن وزيراً للمالية والاقتصاد الوطني، كما كان يرأس عشرات اللجان والشركات والمؤسسات العامة والخاصة.. فحياة (أبو عبدالرحمن) كلها حياة عمل وشرف ورفعة.. ويقال إن الملك عبدالعزيز في مناسبة ومجمع كبير في مجلسه طبطب على كتف الشيخ عبدالله بن عدوان بيمينه قائلاً: أشهدكم أني راضٍ عن هذا الشخص، وهذا يدل على فرط المحبة والثقة التامة فيه لإخلاصه وأمانته، ويعتبر هذا الرضا والتزكية وساماً على صدر بن عدوان وتاجاً ساطعاً مضيئاً على سماء بلده حريملاء التي أنجبته وولدت أمثاله من العلماء الأجلاء، ومن الرجال المخلصين الذين خدموا بلادهم بكل كفاءة وإخلاص.. ولا يزال المدد منهم متواصلاً بحمد الله.. فاليتم المبكر وفقد حنان الوالدين لم يقف حائلاً أمام معترك الحياة لدى ذاك الصبي (ابن عدوان) الذي سبق استعداده الفطر عمره الزمني مما سهل عليه السير في مراحل جميع الأعمال التي تسنم مراتبها بيسر ومرونة، لأن التوفيق من المولى، ثم النضج الفكري من أسباب نجاح الإنسان فيما يعمل، وفي توقي الزلل..، ولي مع الشيخ عبدالله مواقف ولحظات وذكريات جميلة لا تغيب عن خاطر مدى أيام العمر.. منها على سبيل المثال إشرافه على الحفل الكبير الذي أقامه أهالي حريملاء برئاسته احتفاء بصاحب الجلالة الملك سعود -يرحمه الله- أثناء زيارته لحريملاء عام 1374هـ وكنت ضمن الطلاب الذين قدموا كلمات الحفل له ليختار ما يراه مناسباً للبرنامج، فاستحسن مشاركتي بتلك الكلمة المتواضعة.. حينما لمح بعض الشواهد الشعرية فقال: هذا الأسلوب لا يستغرب على من درس بدار التوحيد بالطائف -وما علم أني استعنت ببعض الأساتذة في إعدادها..!- فاختيرت كلمة الطالب راشد بن عبدالله المبارك فألقاها أمام الملك سعود -رحمه الله- وقبلها الكلمة الارتجالية التي ألقاها الشيخ محمد بن صالح بن سلطان، وكيل وزارة الدفاع في تلك الحقبة البعيدة التي نالت إعجاب الحضور.. كما لا أنسى تواضع الشيخ عبدالله وعطفه الأبوي على أثناء قدومي إلى المنطقة الشرقية للعلاج بمستشفى أرامكو بالظهران عام 1372هـ أنا والشيخ عبدالله بن غديان.. فقد أخذني بسيارته الخاصة صوب المستشفى الكبير الواقع داخل شبك الشركة الخاص بموظفي أرامكو حتى دخلنا على المدير (إسكندر) - آنذاك- وقال له هذا أحد أبنائنا ويهمنا العناية به، فاستوصوا به خيراً، فكنت أراجع المستشفى يومياً مع المدخل الخاص بالموظفين فقط.. فأخذ الطبيب المختص يهتم بي كل الاهتمام، وبدون تريض، وكل ذلك بفضل من الله ثم بفضل الملك سعود الذي أمر بعلاجي هناك، واهتمام الشيخ بي -غفر الله لهما- وقد اشتهر أبو عبدالرحمن بالبذل السخي في أوجه الخير وببناء عدد من المساجد في أكثر من بلد ومدينة وبالمساهمات الجزلة في الجمعيات الخيرية التي تعنى بالأيتام والأرامل، وذوي الحاجات الخاصة من المساكين، وعلى أي حال فإننا بهذه الكلمة الوجيزة نخص رجلاً مهيباً من عظماء الرجال فقده الوطن عاش مكرماً عالي القامة، وبدراً في المحافل الدولية والداخلية، ومحبوباً لدى ولاة الأمر ملوك هذا البلد، ولئن غاب عنا أبو عبدالرحمن وتوارى عن الوجود فإن ذكره الطيب باق في النفوس على توالي الأعصر والدهور -غفر الله له وأسكنه فسيح جناته-.

إن العظيم وإن توسد في الثرى

يبقى على مر الدهور مهيبا

حريملاء - فاكس 015260538


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد