ذلك الكائن الحديدي الضخم، شكل ثورة للإنسان، بصوته الهادر وهو يقطع المسافات عابرا للصحراء والمناطق النائية وباعثا لتجمعات بشرية من عزلتها.
ليصبح مصدرا لأحلام المناطق النائية القابعة في عمق اليابسة، وأحلام القرى البعيدة للالتقاء والاتصال بالعالم، لتتحول تلك الكتلة الحديدية المنطلقة على قضبانها المفروشة على الأحجار الناعمة إلى طريق الأمل، حيث الضفة الأخرى من العالم، كانت تلك أجمل هدايا الاستعمار، فكل شبكات القطارات العربية - بالمناسبة - هي من بقايا وكرم المستعمر.
وكما أخذتنا التطورات التكنولوجية إلى كل الوسائل الجديدة فإنها أيضا غيرت من شكل وصيغ القطار، و بذات التأثير تزايدت سرعته وفخامته، ليخرج لنا المترو بصيغة جدية داخل المدن الشاسعة، كأنه يتحدى نهم الإنسان في عمارة الأرض وتوسعه.
أكرر هذه الصور القديمة، وأعيد شريطا آخر، طويلا ومكررا ومملا لأخبار وتقارير ترددت كثيرا عن إقامة أكثر من خط لسكك حديدية في بلادي المترامية الأطراف، بينها أخبار عديدة وتقارير صحفية مديدة، شاركت في إعداد بعضها - وكتابتها كصحفي لأعوام وسنوات طويلة، لكنني اكتشفت متأخرا أنها مجرد أخبار للاستهلاك الصحفي!.
عادت لي هذه الأفكار وأنا أتابع عن قرب وتحديدا، 09 - 09 - 2009 الساعة 09:09 مساءً افتتاح شبكة مترو إلى (driverless) شكل بناءه نموذجاً هو أقرب في تصميمه إلى فكرة المراكب التي تسافر عبر الزمن، لكنها هذه المرة إلى اتجاه واحد، إلى المستقبل، وفي دبي مجددا.
فكرة المشروع تعود إلى عام 1997م حيث خلصت دراسة إلى أن دبي لن تستطيع الاعتماد كلياً على نظام المواصلات الاعتيادي.
وبعد اعتماد المشروع وإقراره أنجزت مرحلته الأولى هذه خلال أقل من 4 سنوات، فيما تجاوزت التكلفة 28 مليار درهم، وتقدر العائدات المتوقعة له خلال 10 سنوات أكثر من 17 مليار درهم، منها عائدات تذاكر المترو والإعلانات التجارية، وحقوق أسماء المحطات وجميعها بيعت بالكامل.
دبي قدمت متروها بشكل لافت، وقدمته كبيان صحفي مصور لإنجازها، ليؤكد على التزامها بخلق صورة إيجابية عن اقتصادها الذي تعرض للانتقاد واللغط بسبب مخاطر يواجهه جراء الأزمة المالية العالمية، وهي من خلال تقديم حركة رشيقة لميتروها الآلي والأحدث تقول: إنها مستمرة في سيرها بلا توقف، بالضبط مثل هذا المترو الذي يسير على جسور معلقة بإتقان بين السماء والأرض على امتداد الإمارة التي ترفض أن يوقظها أحد من حلمها الجميل والمستمر بالمستقبل، حلم يكتمل بالعمل والإرادة، لذا تتحقق الأحلام..هنا في دبي تحديدا. إلى لقاء..
****