Al Jazirah NewsPaper Sunday  13/09/2009 G Issue 13499
الأحد 23 رمضان 1430   العدد  13499
من شيم الملك عبد العزيز كما رواها الرواة

 

الملك عبد العزيز - طيّب الله ثراه - رجل وفقه الله واستطاع أن يجعل أعداءه وخصومه جنوداً أوفياء له بدرجة يعجز عنها الوصف، وأبهرت الكثير من الدارسين.

ألّف الأستاذ فهد المارك - رحمه الله - كتاباً بعنوان (من شيم الملك عبد العزيز) يتكوّن من ثلاثة أجزاء تتكلم عن الملك عبد العزيز وعن كرم أخلاقه وشيمه، يقول الأستاذ فهد المارك في هذا الكتاب (عبد العزيز معجزة من معجزات الدهر، وفلتة من فلتات التاريخ وعبقري من العباقرة الأفذاذ وعظيم من عظماء الرجال الذين لا يأخذهم الغرور ولا تسكرهم النشوة إذا قهروا أعداءهم وانتصروا عليهم ولا يستسلمون لليأس ولا تخور عزائمهم إذا فشلوا في معركة ما) .. ويقول المارك أيضا: حدثني رشدان السعيد والذي يتحدث حديثاً بعيداً عن التنسيق والتزويق لأنه بطبيعته يتصف ببراءة الطفل يقول: إنه سمع أكثر من واحد من الحاشية الخاصة للأمير سعود بن رشيد من الذين سبق أن ذهبوا للملك عبد العزيز ثم عادوا سمعهم يتصدون لخصومه أي إنسان ينال من شخصية عبد العزيز يفعلون ذلك وهم في وسط قصر أميرهم ابن رشيد إذا كان الله سبحانه وتعالى خلق البشر من تراب، فإنّ هذا التراب جزء لا يتجزأ من الأرض التي منها ما هو خصب، فإذا بذرت فيه الحبة أنبتت سبعمائة حبة ومنها الأرض الحجرية التي لا تثمر فيها الشجرة إلا ثمراً محدوداً، ومنها الأرض الخصبة التي تظل البذرة في مكانها فلا تنبت ولا يمكن أن تثمر فيها الشجرة ولو سالت الأنهار، وإذ كان كل إنسان كريم الأرومة جم المروءة لابد أن يكون من النوع الأول فإنّ عبد العزيز يكون في طليعة هذا القسم متربعاً فوق قمة القمة فيه في حالة قل أن يشاركه في المنزلة إلا الأفذاذ القلة النادر وجودهم من ذوي الوفاء.

وجاء إلى الملك عبد العزيز رجل يشكو إليه ما يعانيه من الديون التي تراكمت عليه وأثقلت كاهله وليس لديه قدرة على أن يسدد ما يطلبه منه الدائنون، فأمر الملك بأن يحقق في أمره وقد أثبت المحققون أن الرجل مطلوب منه مئة جنيه من الذهب فكتب له على الفور بخط يده (1000) - ألفاً - بدلاً من أن تكون مائة، وعندما ذهب الرجل إلى (شلهوب) المسئول عن المالية نظر إلى المبلغ فوجده يزيد عشرة أضعاف على دين الرجل فعاد شلهوب إلى الملك وأخبره بهذه الزيادة، فما كان من الملك عبد العزيز إلاّ أن قال (ليس القلم بأكرم مني) كان المبلغ في ذلك الوقت يقوم مقام مئات الألوف من الجنيهات في أيامنا هذه.

في يوم من الأيام الذي غادر به عبد العزيز الرياض قاصداً مكة لتأدية مناسك الحج، هطلت أمطار غزيرة فلم تستطيع السيارات في ذلك اليوم اجتياز مكانها وكذلك السيارات التي فيها عدة الطاهي وكامل المؤونة الغذائية، وكل ما استطاع أن يفعله الطاهي أنه سعى بإنجاز وجبة خاصة للملك وقدمها إليه مسروراً بأنه استطاع تقديمها لأنّ الملك من الصباح الذي خرج مبكراً به من الرياض لم ينل شيئاً من الغذاء، كان الطاهي (الطباخ) يشعر باعتزاز وزهو عندما قدم الوجبة للملك عبد العزيز وكان يتصور أنه سوف يمنحه هبة مالية سخية لأنه أحضر طعاماً من الصعب إحضاره ولكنه فوجئ عندما سأله الملك عبد العزيز قائلاً: هل قدمت لكل واحد من رفاقي طعاماً كما قدمت لي، وعندما أجابه الطاهي بالنفي قال له الملك عبد العزيز تقبل نفسي الطعام في الحين الذي رفاقي يبيتون على الطوى.

يقول الأستاذ فهد المارك هذه القصة نقلتها عن الأخ عبد الرحمن الحميدي وهو يرويها رواية من رأى وشاهد وقوعها بصفته أحد موظفي ديوان الملك.

يقول الملك عبد العزيز (كل فرد من شعبي جندي وشرطي وأنا أسير وإياهم كفرد واحد لا أفضل نفسي عليهم ولا أتبع في حكمهم غير ما هو صالح لهم، يعلم الله أن كل جارحة من جوارح الشعب تؤلمني وكل شعرة منه يمسها أذى تؤذيني وكذلك الشعب فإنه يتألم إذا أصابني أي شيء ولكن المصلحة العامة تضطرني أن أقضي على من لا يصغى إلى النصح والإرشاد، وأن أتجرع ألم ذلك حفظاً لسلامة المجموع، يجب أن تحرصوا على العمل والعمل لا يكون إلا التساند والتعاضد.

يقول الأستاذ فهد المارك - رحمه الله - ذكر لي الشيخ محمد الصحابي عندما كان الملك عبد العزيز معسكراً في (سفوان) وقد ترك الثقيل من مؤونته في مكان يسمى (اللصافة) ولم يكن معه في غزوته هذه إلا الخيل والجيش أي الإبل النجائب، وكان الأمر الطبيعي بعد أن حقق هدفه أن يعود إلى (اللصافة) التي فيها المؤونة بكاملها وهكذا عاد مسرعا ولكنه عندما بات في موقع قريب في (اللصافة) لم يشعر في الصباح إلا وقد رأى النار مشتعلة في ذلك العشب اليابس وأصبح لهيبها يطوق قوم الملك عبد العزيز من جميع الجهات وخاصة الجهة المؤدية (للصافة)، أما الجهة التي جاء منه القوم فإن السبيل إليها متيسر ومفتوح، ولكن عودة القوم إلى سبيلهم الذي جاءوا فيه سوف تعرضهم أن يموتوا ظمأ، فكر الملك عبد العزيز ووجد خير وسيلة اتخاذها أن أمر الفرسان أن يركبوا خيولهم لعل الخيل تحرث بحوافرها الأرض تكون الأرض المحروثة حاجزاً يمنع سريان النار كان الإجراء سليماً ولكن لهيب النار كان أقوي ويؤكد الشيخ الصحابي أن لهيب النار بدأ يدنو من القوم وأصبح للرواحل حنين (وجضيض) من هول المنظر المخيف الرهيب، ويمضي الصحابي قائلاً إن الملك عبد العزيز لم يفقد إيمانه بالله الذي كان دائما وأبداً مصدر ثباته وشجاعته وانتصاراته لا على أنداده الشجعان الأبطال بل مصدر إيمانه حتى على النار لم ينجه من هولها والتهامها له ولقومه إلا إيمانه بالله حيث بدأ لهيب النار يدنو من الرجال زاحفاً رويداً رويداً وتلك اللحظة التي تقلصت بها الآمال ونضبت بها الأفكار ولم يكن ثمة ملاذ ولا ملجأ يركن إليه إلا الله جل شأنه وعلا سلطانه صاح الملك عبد العزيز قائلاً: هلموا إلى الله فما وسع القوم الا ان وقفوا صفاً واحداً يتضرعون إلى الله ويتقدمهم الملك عبد العزيز رافعاً يديه إلى السماء سأل ربه النجاة، ويؤكد الشيخ الصحابي ان السماء لم يكن بها أية بقعة من السحاب عندما ابتهل الملك عبد العزيز إلى ربه ودعاه، بل يؤكد الراوي شاهد العيان انه كان وقت اشتداد الصيف ومع ذلك كانت استجابة الباري الكريم للملك عبد العزيز المتضرع له بقلب مفعم بالإيمان وأسرع من لمح البصر فسرعان ما أنزل الله المطر المدرار الذي لم يخمد النار فحسب بل سالت الأودية وذهب القوم يملأون منه قربهم ويسقون رواحلهم وخيولهم وهذا مما يجعلنا نؤمن إيماناً راسخاً بأن مصدر شجاعة الملك عبد العزيز الخارقة جاءت من قوة إيمانة بالله واتكاله عليه .

ومما ذكر المارك من العادات سيئة التي أزالها الملك عبد العزيز من اضطراب الأمن ومن الغزو والنهب والسلب وذلك قبل أن يوحدها الملك عبد العزيز ويجعل كما يقال (الذئب والشاة يرتعان في الوادي سواء) وانه ليحسن بي أن أذكر نوعين من العادات التي أزالها الملك عبد العزيز إزالة تامة وهي عادات ظاهرها الإباء وباطنها الرياء والنفاق لأن كل شيء لم يكن طبيعياً فهو نفاق والعادة التي قطع الملك عبد العزيز دابرها هي أن ساكني نجد كانوا إذا استضاف أحدهم الآخر أو أقام أحدهم للآخر مائدة طعام كان الضيف فرداً أو جماعة حالما يتناول لقمة فيرفع أحدهم يده من الطعام إشارة منه للقيام فيضطر الباقون إلى رفع أيديهم ثم (يتنحنح) أحدهم ويقفز أحدهم كالمطرود أو كالملدوغ فيمثل الباقون العمل نفسه يقومون من الطعام ونفوسهم في أشد النهم إليه من شدة الجوع فيعودون إلى بيوتهم اذا كانت قريبة أو إلى ما لديهم من المؤونة إذا كانوا مسافرين في الصحراء ليتناولوا الطعام من جديد، هذه العادات السيئة التي قضى عليها الملك عبد العزيز فأزالها، ويقال انه في إحدى المرات شاهد رجالاً يطبقون هذه العادة فصاح بهم قائلاً إذا كان الواحد منكم يقوم من الطعام وهو جائع ليذهب إلى أهله ليتناول الطعام من جديد أو إذا كان لم يأت إلى هذا الطعام إلا وقد ملأ بطنه فدعوا الرجل الذي قد لا يجد عند أهله طعاماً دعوه يأكل حتى ينتهي بطبيعته.

وهكذا ظل الملك عبد العزيز يقاوم هذه العادة إلى ان محا آثارها من المجتمع حتى أصبح المضيف إذا أراد ان يكرم ضيوفه ويجعلهم يشعرون انهم يتناولون طعامه وهم في كامل حريتهم يقول لهم (الحالة سعودية) ياخوان!

وقد تبدل المثل الشعبي الذي يقول: (كل أكل الجمال وقم مع أول الرجال) وتبدل هذا المثل وحل محله جملة يقولها الناس في هذه البلاد وهم يتناولون الطعام: (المرء في أكله كالمرائي في دينه)، وكان الملك عبد العزيز إذا جلس على مائدة الطعام لا يقوم من مجلسه حتى يشعر أن جميع من على المائدة قضى وطره منها.

وذكر الزركلي في كتابه (شبه الجزيرة العربية) ما نصه :

قال بعض الناس: إنك (أي - يا عبد العزيز) تعطي كثيراً فلو اقتصدت؟ فقال: إن الله عوّدني عادة أن يتفضل علي وعودت عباده عادة أن أوسع عليهم فأخاف أن اقطع عادتي فيقطع الله عادته عنى وأنا لن ابني قصراً ولن اشتري بها زرعة كل ما يرد أنفقه على المسلمين وهذا حق لهم.

وذكر الأستاذ فهد المارك أن حياة الملك عبد العزيز كلها بذل وسخاء ولم ير المال إلا انه وسيلة فقط ويكفي انه عندما توفاه الله لم يكن له في أي مصرف درهم واحد وهذا مما حمل أحد المواطنين المدعو حميد الغاشم المشهور بسرعة البديهة وخفة الروح وابتكار النكتة حين قدم إلى الملك عبد العزيز من بلاد وبادله السلام قال له أعطني يا عبد العزيز (شرهتي) من الآن وقبل أن أخرج من عندك أما إذا خرجت من عندك فإنك سوف لا تجد ريالاً تهبني إياه لا ألوف الناس الذين رأيتهم قد وفدو إليك وسيتبع هؤلاء الألوف ألف آخرون بعد ساعات فهؤلاء لو انقلب المال الذي عندك إلى رمال الدنيا وأعطيت كل واحد من هؤلاء الوافدين قبضة من الرمال أما بقي عندك مثقال ذرة من هذا الرمل.

يقول أحد الرواة الثقات شهود العيان: أن ساقي القهوة في مجلس الملك عبد العزيز عندما تخطى إنساناً وذهب يقدم الكأس إلى الآخر يرى الساقي منزلته الاجتماعية أرقى من الأول صاح الملك عبد العزيز به قائلاً له لا تتعد الرجال.

متعب بن صالح الفرزان - العمارية



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد