ينظر الإسلام إلى المجتمع على أنه كيان إنساني متواصل متراحم، فالأسرة ترتبط بالمودة، والمجتمع الصغير يتعاون فيما بينه على الخير والأخذ بيد الضعيف، والأمة يتكافل أفرادها على الخير فيما بينها، وعلى التعاون فيما ينفعها، القوي ينصر الضعيف والغني يكفل الفقير، ولقد صرح القرآن الكريم بأن الناس أمة واحدة، وان اختلاف الألوان والأجناس واللغات لا يقتضي التفاوت في معنى الإنسانية وحقوقها، بل الجميع سواء، وما كان الاختلاف إلا للتعارف، ولذلك قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13)سورة الحجرات.
ولا يمكن الحديث عن التكافل في الإسلام دون التطرق لعاطفة الرحمة تلك العاطفة النبيلة التي هي لحمة المجتمع وسنده، ودافعه ووقوده في حركته الخيرة بين الناس، وليس أكثر دلالة على مكانة هذه العاطفة النبيلة من أن في أسماء الله تعالى (الرحمن الرحيم)، وهما اسمان مشتقان من الرحمة التي هي من أنبل العواطف وأسماها، وأعظمها أثرا في حياة الإنسان، وهي الدافع الرئيس لحركة الإنسان نحو فعل الخير، وبذل المعروف وتقديم الإيثار ونبذ الأثرة.
والرحمة عاطفة يطالب بها دين الإسلام كل مسلم، ويعتبرها من أسباب التيسير والتوفيق لمن اتخذها منهجا في حياته، ويعتبر خلو القلب منها علامة شقاء وحرمان من الخير، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت أبو القاسم رضي الله عنه يقول: (لا تنزع الرحمة إلا من شقي) رواه الترمذي وأبو داود وحسنه الألباني.
وعن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يرحم الله من لا يرحم الناس) رواه البخاري ومسلم.
والمجتمع المسلم المثالي مجتمع متماسك مترابط تسوده المودة والرحمة والتكافل، وإذا حدث غير ذلك فهو خلل وانحراف عن الجادة، عن النعام بن بشير - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى).
والتكافل في معناه الاصطلاحي ان يتساند المجتمع أفراده وجماعته بحيث لا تطغى مصلحة الفرد على مصلحة الجماعة ولا تذوب مصلحة الفرد في مصلحة الجماعة، إنما يبقى للفرد كيانه وإبداعه ومميزاته، وللجماعة هيئتها وسيطرتها، فيعيش الأفراد في كفالة الجماعة، كما تكون الجماعة متلاقية في مصالح الأفراد، ودفع الضرر عنهم.
والإسلام يدعو الى التكافل ويدعو أيضا الى العمل والكسب الشريف ما دام الإنسان قادراً على ذلك وتهيئة الفرص لهذا الإنسان ليعطي ويبدع، ولكن إذا كان عاجزاً، ونشأ فقره عن أسباب طبيعية، فإن الإسلام كلف القادرين بالإنفاق على العاجزين.
غير أن التكافل الاجتماعي في نظر الإسلام يهدف إلى إصلاح أحوال الناس، وان يعيشوا مطمئنين، عقائدهم سليمة، وأهواؤهم مستقيمة، وأمورهم تسير حسب الشرع، ومعاملاتهم يتحكم فيها نظام الإسلام، يسودهم العدل وتنظمهم المساواة، لا يعتز أحد بسطوته فيأكل حق الضعيف، ولا يقتصر العدل بعشيرته فيظلم المقل بها، ولا يبغي المكاثر فيهضم حق الفقير ويعطل المال، الفرص متاحة لجميع أفراد الأمة في تحقيق الآمال الطموحة في ظلال المعاني الخيرة التي تحكم بها الدولة، ويسير عليها الناس، والعدالة مبسوطة لتتحقق بها طمأنينة الأفراد والجماعات، والأموال مبذولة ليتمكن الجميع من التعاون على نهضة الأمة في اقتصادها، والتعليم مهيأ للجميع ليرتقي العلم وتزول الجهالة، والتعاليم الإسلامية منشورة ليتثقف العقل ويرتقي الفكر.
إن نظام التكافل الاجتماعي في الإسلام، نظام كامل قد تدخل في عناصره مدلولات الإحسان، والصدقة والبر وما إليها، ولكنها بذاتها لا تدل على حقيقته، لأن حقيقته أوسع منها جميعا، فهو نظام لا يعني مجرد المساعدات المالية، - أيا كانت صورها - كما تعني كلمات الضمان الاجتماعي أو التأمين الاجتماعي، فالمساعدات المالية هي نوع واحد من المساعدات التي يعنيها التكافل في الإسلام، فقد عني الإسلام بالتكافل الاجتماعي أن يكون نظاما لتربية روح الفرد، وضميره وشخصيته، وسلوكه الاجتماعي، وان يكون نظاما لتكوين الأسرة، وتنظيمها وتكافلها وان يكون نظاما للعلاقات الاجتماعية - بما في ذلك العلاقات التي تربط الفرد بالدولة - وأن يكون في النهاية نظاما للمعاملات المالية والعلاقات الاقتصادية التي تسود المجتمع الإسلامي.