Al Jazirah NewsPaper Wednesday  23/09/2009 G Issue 13509
الاربعاء 04 شوال 1430   العدد  13509
بين أم الحالة وهوامير الصحراء
محمد بن عبد العزيز الفيصل

 

اعتدنا معاشر المتلقين العرب على إهانة ذائقتنا العربية -لا شعورياً- بمشاهدتنا لذلك الكم الهائل من (الغث) تغذيه تلك الفضائحيات (المشبوهة) فلا تفتأ تلمز وتغمز -بكل أسف لتنال من- كرامتنا وانفتنا ومروءتنا (الأصيلة) بتلك الإشارات (المقصودة)، وكأن هذا المجتمع المحافظ منقطع؛ غارق في ظلال بهيم وبحاجة إلى من يقوده إلى الهدى..؟!، ولو اعتقدنا بهذه الخرافة افتراضاً -كما يدعون- فلابد بأن يكون الناقد (المرشد) على قدر من العلم والمكانة مما يؤهله لتقويم تلك الأخطاء اما ان يتقمص هذا الدور أدنى الفئات علماً وثقافةً؛ فأقل ما يمكن قوله بأن ذلك أمر غير مستساغ.

انقضى شهر القيام والصيام وانطوت معه تلك المسلسلات السامية (أفقياً) بخيرها وشرها ولعل الأخير هو الأعم والأعتى، لفت نظري خلال متابعتي (العفوية) لبعض ما تبثه فضائياتنا (المحسوبة) مسلسلين هما (أم الحالة) و(هوامير الصحراء) وكلاهما بعيدان عن النقد الهادف فالأول غارق في الكوميديا (السخيفة) والثاني يحاول جاهداً تشويه صورة مجتمعنا السعودي بمختلف طبقاته وفئاته، قد يحتج بعضهم بأن ذلك غيض من فيض واقعنا (السعودي) بالفعل، لكن ليس كل ما يعرف يقال أو ينفذ ؟!، فعلى سبيل المثال سقطت محاولة (الواقعيين) من الذين أرادوا أن يحولوا لغة الروايات من الفصحى إلى العامية بحجة الواقعية وأن الشخصيات الموجودة داخل هذه الروايات قد تكون شعبية بسيطة أو مثقفة تتحدث هذه اللغة أو اللهجة في سياقها الحياتي كما يرى ذلك توفيق الحكيم وعلي أحمد باكثير فالإطار العام لثقافة المجتمع العربي -بكل طبقاته- يأبى إلا أن يقرأ هذه الروايات بالفصحى ولا أدل على ذلك من فشل تلك المحاولات ووصولها إلى مرحلة الموت والاندثار؛ أسوق هذا المثال الضمني لأثبت بأن الواقع وحده ليس حجةً لنشر الغسيل وشماعة نعلق عليها فشلنا في خلق الأفكار الخلاقة والجادة التي يمكن أن ترتقي بهذا المجتمع وتحسن من سلوكه ومستواه.

فلو حولت هذه المسلسلات إلى مسرحيات كوميدية أو تراجيدية يشاهدها أبناء هذا المجتمع وبعدد محصور لكان الأمر مقبولاً، أما أن تبث على تلك الفضائيات (السائرة) ليشاهدها القاصي والداني، بكل ما تحمله من إيحاءات شاذة لن تعود على هذا المجتمع والبلد إلا بالسوء والخراب وتشويه الواقع، فهذا هو العار بعينه.

لا نتوقع للرياض أو لغيرها من مدن المملكة بأن تكون ك(اليوتوبيا) أو المدينة الفاضلة التي كان يبحث عنها أفلاطون في كتابه (الجمهورية)، ولكننا نقر بوقوع الأخطاء وبوجود نماذج (شاذة) فيه مثلها مثل أي مدينة أخرى ولكن ليس من حقنا أو من حق هؤلاء القوم أن يجعلوا من الحبة قبة سواء أكان ذلك بهدف أم لا، أو أن يضخموا العفن الاجتماعي ليصل إلى مرحلة الظاهرة ليقنعوا أبناء هذا المجتمع بأن ذلك من صميم أفعالهم وأقوالهم وليس بغريب عنهم، وإذا كانت الأسر في هذا الزمن تبذل وسعها في تربية أبنائها والابتعاد بهم عن أقبح الأفعال والأقوال وتأتي هذه الفضائيات السعودية قلباً وقالباً لتعلمهم الألفاظ النابية والأعمال (اللا أخلاقية)، وما يثير الاشمئزاز أن كتاب هذه المسلسلات هم من أبناء هذا الوطن.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد