Al Jazirah NewsPaper Thursday  08/10/2009 G Issue 13524
الخميس 19 شوال 1430   العدد  13524

ايقاعات
لكيلا نظلم فنان العرب!
تركي العسيري

 

الحملة الشرسة التي يتعرض لها الفنان الكبير (محمد عبده).. من قبل من أغضبتهم آراؤه وتعليقاته، (وزلات لسانه).. تدل على أن البعض منا لا يؤمن بحق الآخر في طرح ما يراه وما يؤمن به، حتى أن ناقداً أدبياً لم يعرف عنه اهتماماته الفنية، انبرى في سابقة ملفتة إلى أن يقول: إن (محمد عبده) ليس مطرباً وإنه يعاني من مشكلة في مخارج الحروف، وبالتالي في نطق الكلمات.. وكأنما المطلوب منه أن يكون في فصاحة (طه حسين) مثلاً وهذا أمر محير حقاً.

ولكن أن نتخذ من (فلتات لسان) فنان كبير، ورمز من رموز الأغنية السعودية طريقاً لمهاجمته، والنيل منه يشي في تقديري إلى أزمة تتلبسنا حين يخطئ الناجحون منا فننهال عليهم بالتقريع والتجريح والتشكيك في عطاءاتهم ومواهبهم.

ينبغي أن نكون منصفين فلا نطلب من (محمد عبده) أن يكون شخصاً لا يخطئ فالذي يهمنا بالضرورة هو (فنه) لا آراؤه و(زلات لسانه)، والذي يهمنا أن يظل فناناً متوهجاً، وينبغي ألا ننسى أن هذا الفنان العظيم قد أوصل الأغنية السعودية إلى كل بيت عربي، وحلق بها خارج الحدود بعد أن كانت فناً تراثياً لا يعرفه غيرنا، وأصبح رمزاً وطنياً.. غنّى للوطن والحياة والحب والفرح، والمعاناة الإنسانية.. ومنحنا مساحة من الشجن الأخّاذ.. الذي يطوح بنا إلى فضاءات من الحلم والتجلي.

ويبدو أن البعض قد وجد في تلك الأقوال التي طرحها (محمد عبده) فرصة لاسترجاع ما قاله هذا الفنان في صباه من أنه (فلتة زمانه)، وحكاية مستقبل (أم كلثوم) ليدينه رغم أن الإدانة في هكذا حالة هي للصحفي الذي استدرج هذا (الغلام الصغير) ليقول ما قال بغية الخروج بعناوين مثيرة لصفحته الفنية.

لفنان عظيم ك(محمد عبده) أن يقول ما يشاء من آراء، وأن يعبر عن اعتزازه بموهبته، وبرحلته المضنية.. كطفل فقير، يتيم الأب إلى واحد من أكبر الفنانين العرب وأكثرهم شهرة ومحبة لدى جمهوره العريض..

ولعل من الظلم لفنان حمل لواء الأغنية السعودية، وجدد مضامينها، وتألق في أدائها، وعرف العالم بها.. أن نتناسى ذلك بسبب آرائه التي يطرحها، والتي أرى أن البعض منها غير موفقة البتة! لكن السؤال: لماذا نطلب من رموزنا ألا يخطئوا؟. وحدهم الذين لا يعملون هم الذين لا يخطئون. علينا أن ننظر للجانب الآخر من العملة وهو جانب مضيء وخلاق من حياة (محمد عبده) والذين يعرفون هذا الفنان عن قرب.. يعرفون فيه الاستقامة، والتدين، والحرص على سمعة وطنه وفنه، ورغم أنني (سميع متقاعد) بفعل الزمن وتكاثر الأبناء، وانعدام الوقت.. إلا أنني أحن إلى طلاوة صوته، وإلى أغانيه القديمة التي تذكرني بشبابي الآفل، وسعادتي التي وأدتها السنون العجاف دون رحمة.

لقد أمتعنا (أبو نورة) كثيراً وعلى امتداد أربعة عقود بذلك الشجن المتدفق الذي يعبر بنا عوالم الإبداع واللحظات المتشحة بالعاطفة والحلم اللذيذ؛ فهل نجازيه (جزاء سنمّار) أم أن من حقه علينا أن نتجاوز عن (زلات لسانه) على الأقل وفاء منا لعصر الطرب الجميل الذي يمثله هو وجيله.. وقديماً قال الشاعر:

ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها

كفى المرء نبلاً أن تعدَّ معايبه

ALASSERY@HOTMAIL.COM

تليفاكس: 076221413


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد