Al Jazirah NewsPaper Thursday  08/10/2009 G Issue 13524
الخميس 19 شوال 1430   العدد  13524
ثقافة العنف: أزمة فكر وغياب وعي
نورة القحطاني

 

ما الدافع من الحديث في هذا الموضوع بالذات؟ وهل حقًا تعاني ثقافتنا من العنف؟ لكن المتأمل فيما يحدث حولنا من عنف حتى بين المثقفين أنفسهم ممن يجدر بهم نشر ثقافة الحوار، وتقبل الآخر، والتسامح لبث روح التفاؤل بمستقبل يسوده السلام والمحبة، يجعل طرح التساؤلات حول هذا الموضوع ضرورة ثقافية ووطنية معًا، تقتضي تكاتفًا جماعيًا من أجل صورة ثقافية أجمل.

أثبتت الدراسات النفسية الحديثة أن الدوافع المكونة للشخصية الثقافية ترتكز على عامل الشعور بالحرية وتحقيق الذات، فالإحباط الاجتماعي والقمع هو الأساس في إحساس الفرد بالقهر عندما يكتشف أن حياته ذهبت من دون أن يحقق أي هدف حقيقي، ويترجم هذا الشعور في ميله الشديد نحو العنف والتدمير، إذًا: فالعنف ليس من طبيعة الإنسان، إنما هو - كما يشير علم النفس التجريبي- خاصية اجتماعية، وبالتالي يكون العنف فعلاً ثقافيًا مكتسبًا، يتخذ أشكالاً متنوعة مباشرة وغير مباشرة، خفية ومعلنة، و من هنا علينا البحث عن جذور هذا العنف الذي تصاعد مؤخرًا في مجتمعنا، ولم يعد قاصرًا على فئة دون أخرى، بل أصبح معطلاً حقيقيًا لفعل التنمية، وعلينا الإيمان بأن التنمية الحقيقية ليست مجرد أرقام نتباهى بوصولنا إليها، بل هي تنمية للإنسان، صانع الحضارة و التقدم، فالجيل الذي تربى على العنف تظهر عنده عقدة الشعور بالنقص، أو الخوف ، أو النرجسية، و تلازمه عقدة العيب أو العار، وكلها عقد تنتجها ثقافة العنف التي تتأسس على الاستلاب، وتقف ضد كل ما يخرج عن خط سيرها، وعندها لا يجد ذلك الجيل مخرجًا إلا بعنفٍ مقابل، وعلينا الاعتراف بصدق أن كثيرًا من الأنظمة الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية لدينا تمارس سلطة القمع وترفع شعار ( لا تناقش )، لتكرّس التبعية الفكرية والثقافية بما يشبه عملية التدجين الثقافي - إن صح التعبير- تلك هي ثقافة العنف التي تحاصرنا في البيت والمدرسة والجامعة و العمل وفي علاقتنا بالآخرين، وأنت إما أن تكون (مع) أو (ضد) فإن اخترت الأولى فما عليك إلا أن ترتدي أقنعة لكل شخصية تتعامل معها بنفاق وكذب ولغة مغلفة بالقيم والشعارات، لتظل تدور في دوامة من الزيف والخداع، أما إذا اخترت الثانية فستحاصرك لعنة العنف بشتى أساليبه، لأن كل تجديد هو شذوذ يستحق العقاب.

إنّ الثقافة التي تبنى على النرجسية والانغلاق، ورفض الآخر ونبذه، لن تنتج إلا مزيدًا من العنف والارتداد للخلف، والانكفاء على الذات بفكرٍ مشوّه، وشخصية مفككة، مجهضة كل أحلام التنمية، ومن يقف متأملاً في وضع ثقافتنا وأدبنا السعودي سيلمس أثر ثقافة العنف، فإعادة النظر في بعض المواقف التي مرت بها الساحة.

الثقافية تكشف عن تأصل هذه الثقافة حتى في النخب والرموز الثقافية، حيث تحول الجدل و النقاش في بعض الاختلافات - ولا أقول خلافات - إلى معارك صحفية لا منطق لها، فمنهم من يرى نفسه فوق النقد - رغم ادعائه الانفتاح - ويدير ظهره لأي اختلاف معه، فإن حاورته وجدته يجهل آليات الحوار مدعيًا احتكار الحقيقة، تلك الشخصية تؤسس لثقافة العنف، وتكرّس للتفوق والنرجسية، ومن الأمثلة العجيبة أيضًا على وجود ثقافة العنف بين صفوف المثقفين تلك الحرب الكلامية التي دارت على صفحات جرائدنا اليومية والإلكترونية بما فيها المنتديات الثقافية هاجم فيها مجموعة من المثقفين والمثقفات شخصية معروفة لم يكن ذنبها إلا أنها سطرت رؤية خاصة متشحة بمشاعر إنسانية، إلا أن سوء الظن المتوارث من ثقافة العنف دفع الكثير إلى استخدام أقلامهم سيوفًا جارحة في معركة اختلطت فيها الحقائق، وانقسم حولها الآخرون (مع) أو (ضد)، وإذا تركنا هذا الموقف لنذهب إلى عنف بعض النقاد في إطلاق أحكامهم على بعض النصوص الأدبية - إن لم تسحب منها هويتها - بشكلٍ تبرز فيه الأنفة الأدبية، والترفع الثقافي الذي ينبئ عن خطر جسيم - إن هو استمر - وبغض النظر عن القيمة الفنية لهذه النصوص إلا أنها تظل مجالاً خصبًا لكثير من الدراسات، وصورة ماثلة تساعد على تشخيص واقع المرحلة الأدبية والفكرية التي يمر بها أدبنا، إلا أن بعضنا ما زال يحمل داخله جينات ثقافة العنف التي تحوّل النقد عنده إلى سلطة تمارس عنفًا خاصًا على الأديب، وبأساليب مختلفة. تلك بعض الشواهد على ثقافة العنف التي قد تصل بأصحابها إلى درجة الانحطاط الروحي لممارسة سلوكات ملتوية يزيح بها من يقف بوجهه، أو يفوقه فكرًا وعملاً بطريقة ماكرة تكشف عن درجة السطحية التي تخفيها أقنعة أدعياء الثقافة، والقائمة تطول إن أردنا تتبع ما يحدث من عنف في كتاباتنا أو إعلامنا أو تعاملنا مع غيرنا، فالأمر كما قلنا ثقافة تجذرت عبر مؤسسات مختلفة، لكن المؤمل في المثقفين كنخب أن نرى أقلامهم أعمدة تشد البناء لا معاول تهدمه، عجبًا ما بال نا ننادي بشعارات ثم نناقضها!! كيف سيثق بنا جيل مازال يشق طريقه ليستلم الراية بعدنا؟ فكل مثقف منا يحمل لبنة يقيم بها أركان البناء ليستوي هرمًا يفاخر به الأجيال، وعلينا - إن أردنا التغيير - تكثيف الجهود وتكاتفها بين جميع مؤسسات المجتمع بدءً من التعليم وانتهاءً بالإعلام لتأسيس مشروع يهدف إلى إعادة تشكيل الفكر، والمعرفة، والسلوك، والنظرة إلى الذات والآخر؛ لنصل إلى شخصية مثقفة حقيقية داخل مناخ ثقافي سليم، فهل من مخرج...؟؟




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد