Al Jazirah NewsPaper Thursday  08/10/2009 G Issue 13524
الخميس 19 شوال 1430   العدد  13524
(كتاب يصدر.. أمة تتقدم)
هل هو شعار نافع في ظل الرقابة والإقصاء؟!
سهام القحطاني

 

(كتاب يصدر.. أمة تتقدم) شعار الدورة الجديدة لمؤسسة الفكر العربي، شعار يصطدم مع أنظمة الرقابة العربية الصارمة التي لا تزال تمارس الرقابة والإقصاء والقمع والاضطهاد الفكري، وهذه أمور تجعلنا نشكك في مصداقية جدية وجودة هذا الشعار ونحسبه من الصيغ الإعلانية الاستهلاكية التي تعودنا عليها في الخطابات والبيانات الثقافية الرسمية.

وقد يكون بداية لحلّ الأزمة بين أنظمة الرقابة العربية الإقصائية والمثقف العربي صاحب القضية والمعارض للفساد الثقافي والسياسي، وهو ما يتطلب بدوره تصميم وثيقة قانونية وحقوقية لحماية المثقف والكتاب بوجه عام وحامل الرؤية الثقافية المعارضة للفساد الثقافي والسياسي بوجه خاص من الأنظمة الثقافية العربية.

على العموم ممارسة كلا الظنين يجوز بما أننا لا نملك برهانا على يقين أي منهما على مستوى النفي أو الإثبات.

عند تحليل أفق تصوراتنا سنلاحظ أننا نتعامل مع شعاراتنا على أنها اعتبارات مكفولة بذاتها، وهو أمر غير صحيح أو أظن أنه أمر غير صحيح، فالشعار في ذاته قيمة وليس إنجازاً، والاعتقاد بقدرته على تأليف قاعدة بيانية للإنجاز أيضا أظنه من الوهم الوجداني المفرط؛ لأن القيمة ليست سوى خلفية للتمثيل وليست مرجعا للتمثيل بصفته أثراً للإنجاز.

وقد يعتقد غيري عكس ما اعتقده؛ يعتقد أن شعاراتنا هي مفتاح صناعة الإنجاز لدينا، ولعله بذلك يعادل بين القيمة الوجدانية للشعار والقيمة النفعية للإيمان الإجرائي. لا أحد ينكر بالطبع أن الشعار كقيمة وجدانية من روافع الإدراك الإيجابي لأهمية الأشياء والتحفيز التنظيري، ودوره الوظيفي لا يتجاوز هذين الأثرين، وهما أثران معنويان غالباً.

كما ألا أحد ينكر أننا نحتاج إلى أن نؤمن بقيمة الأشياء من خلال تأليف شعار لها حتى نستطيع أن نُكثف دلالة تقديرها على مستوى الأهمية والوظيفة والحاصل، وبذلك يصبح الشعار مجرد صيغة إعلانية وليس برنامجاً إعلانياً.

وتصمد الصيغة الإعلانية أو تتحقق مصداقيتها كمروج للمنتَج كلما تطابق بيان الشعار مع محتوى المُنتَج.

وتقويم محتوى المنتج وفق بيان الشعار يعتمد على مستويين، هما: جودة المحتوى لتحقيق فاعلية التطابق مع بيان الشعار، وإجرائية نفعية المحتوى (علاقة التأثر والتأثير) من خلال تحقيق تلك الإجرائية التغير والتغيير الثقافيين للفرد وللمجتمع.

وبذلك فالشعار هو الذي يقود الفاعل الثقافي والموقف الثقافي والمستفيد الثقافي والإنجاز الثقافي لكنه لا يصنعهم.

فالشعار لا يصنع التغير والتغيير؛ لأنه حاصل منهج، وبذلك فالمنهج هو الذي يصنع التغير والتغيير.

وعلى مستوى الواقع الثقافي العربي اليوم هل يمكن أن ينفع هذا الشعار؟

هناك أربعة أمور تحدد إمكانية تحقيق قيمة نفعية إجرائية هذا الشعار، هي:

* إن ما يتعارض مع تحقيق أي نفعية ليس وجود المشكلة بل وجود النظام، فالمشكلات الثقافية هي نتيجة الأنظمة الثقافية، فالضعف الثقافي العربي هو حاصل عيوب أنظمتنا الثقافية على مستوى الفاعل الثقافي والقراءة والكتاب والمكتبة والقيمة والتقدير والأثر والتجربة، كل تلك المفاهيم هي التي تؤسس النظام الثقافي الفردي أو المحلي أو القومي، وبالتالي فحل أي مشكلة ثقافية يتطلب بالضرورة تغير النظام الثقافي الذي أنتج تلك المشكلة، وأحسب أن هذا هو المنطق المعقول والموضوعي للتفكير في حل مشكلاتنا الثقافية التي أصبحنا نحفظ عن ظهر قلب عجز ميزانيتها الإحصائية على مستوى العالم، وخارج نطاق تلك المعقولية والموضوعية لا أظن أن قوانين الطوارئ الثقافية التي تتبعها الأنظمة العربية يمكن أن تحل مشكلاتنا الثقافية.

* هل كل مثقف مؤهل لدفع الأمة إلى التقدم؟

ينقسم المثقفون العرب إلى ثلاثة أقسام: مثقف يتبنى النظام، ومثقف يتبنى قضية، ومثقف لا يتبنى نظاما أو قضية بل اتخذ إلهه هواه.

والقسمان الأول والثالث هما المسيطران على المشهد الثقافي العربي اليوم أرضا وفضاء، في حين أن المثقف صاحب القضية يعاني من الإقصاء وخنق الرقابة ومصادرة مؤلفاته، وحينا اعتقاله وحبسه.

وليس صحيحا أن وجود القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت ضمنت للمثقف صاحب القضية تأثيرا على الواقع الثقافي العربي؛ لأن القنوات الفضائية العربية لا تسعى إلى الإصلاح الثقافي بل إلى تبني الفضائح السياسية والثقافية وتحريض الأنظمة العربية على بعضها البعض، وعلى مستوى مواقع الإنترنت لا قيمة ترجى منها بسبب حجب المواقع من قبل الأنظمة الرقابية العربية الصارمة، كما أن الأعم الأغلب من مواطني الوطن العربي أميون على مستوى استخدام الحاسوب.

إذن المثقف المسيطر اليوم على الواقع الثقافي العربي هو مثقف بلا قضية وإن امتلك التطرف والإباحية والجرأة، والتطرف والجرأة والإباحية لا تؤسس قضية ثقافية، ولذلك هو غير مؤهل ليقدم إصداراً تتقدم الأمة من خلاله، أو هكذا أظن.

* قيمة الكتاب الذي يدفع الأمة إلى التقدم، قد يرى البعض أن القيمة والنفعية الثقافيتين مفهومان نسبيان، وهو ما يُفقد منظومة الضبط قاعدة بياناتها، وهذا المبدأ هو الذي أغرق الأسواق الثقافية العربية بكتب الجنس والتطرف العلماني والرقيق الأبيض والتطرف الديني حتى ظهر الفساد الثقافي في البر والبحر.

لكني لا أتفق مع هذا الاعتقاد؛ فلا بد من وجوب وجود منظومة معايير لضبط قيمة ونفعية الكتاب؛ لأن الكتاب هو صناعة ثقافية سواء كان فكريا أو إبداعيا أو سياسيا أو اقتصاديا، والمقصود بالصناعة الثقافية أن يحتوي الكتاب على رؤية ثقافية وموقف ثقافي وموضوعية ثقافية توازن بين حقي في رؤيتي واحترامي لرؤية الآخر جنبا إلى جنب، وغاية ثقافية ومهارة فنية في بناء المنطق الثقافي الذي يجمع بين الرؤية والموقف والموضوعية والغاية.

والإصدارات العربية يمكن تصنيفها كالآتي: هناك إصدارات تملك مهارة فنية فائقة، لكنها تفتقد المنطق الثقافي، وهناك إصدارات تمتلك الرؤية الثقافية لكنها تفتقد المهارة الفنية، وهناك إصدارات تمتلك مهارة فنية ورؤية ثقافية لكنها تفتقد الموضوعية الثقافية، وهناك إصدارات بعد أن تنتهي من قراءتها تسأل ما الغاية الثقافية منها، أي أن المثقف وخاصة السعودي يحتاج إلى أن يتعلم كيف يصنع الإصدار الثقافي.

* الحرية الفكرية: قد يعتبر البعض الحرية الفكرية مثل القيمة الثقافية مفهوما نسبيا، وقد يعتبرها البعض حقا ثقافيا مشروطا بمنظومة المعايير التي تقررها الأنظمة لمجتمعاتها، وقد يراها ثالث أنها معادل للفوضى الخلاقة، وقد يراها رابع (يجب أن أرى كل شيء.. يجب أن أسمع كل شيء.. يجب أن أناقش كل شيء.. أن أرفض.. أو أقبل.. أعترض.. أشارك. .أحاسب وأحاكم).

إن مفهوم كل منا للحرية الفكرية نتعامل معه بنفس طريقة تبني الشعارات، أي أنه اعتبار مكفول بذاته، وهذا الأمر بدوره يؤسس داخل كل منا سلطة إقصائية تنعكس على تجاربنا الثقافية، فالمثقف الأصولي يُقصي المثقف العلماني، والمثقف العلماني يُقصي المثقف الأصولي، وأصبح المشهد الثقافي العربي يتقاسمه المتطرف الأصولي والمتطرف العلماني، والمرأة تقصي الرجل، والرجل يستعبد المرأة، ولو تأملت ما يُنتج من ثقافة على مستوى المشهد الثقافي العربي اليوم ستستنتج أن موضوعات المشهد الثقافي هي: الكفر والإيمان والجنس والهوية والطائفية والتأملات الفكرية والسياسية والاقتصادية، فتلك الموضوعات هي عناصر الحلقة الإجرائية للحرية الفكرية، والتطرف والإباحية والوسطية صفات لحاصل تلك الحلقة، صفات تتحكم فيها نسبة الصعود والهبوط عن مستوى التوازن، فكلما ارتفع المؤشر عن مستوى التوازن هو تطرف، وكلما هبط عن مؤشر التوازن هو إباحية، وكلما تطابق المؤشر مع مستوى التوازن هو وسطية.

ورغم اختلاف الموقف من مفهوم الحرية الفكرية فشرطها لتمثيل (قيمة إيجابية) في ذاتها هو تحقيق النفعية المجتمعية.

فالقيمة الإيجابية هي التي تؤسس للمثقف الجاد مفهوم المشاركة في الإصلاح الثقافي.

وأخيراً فإن ضروريات الإنماء الثقافي تتطلب توفير كفاية إصلاحية تواجه مآزق الواقع الثقافي العربي اليوم، هي: هل نستطيع تغيير أنظمتنا الثقافية التي ولّدت مشكلاتنا الثقافية؟

هل تجرؤ الأنظمة العربية الرقابية أن تمنح المثقف صاحب القضية فرصة لإثبات تأثيره على الواقع الثقافي والمشاركة في الإصلاح الثقافي؟ هل لدينا صناعة ثقافية للكتاب؟ هل لدينا حرية فكرية تمنح المثقف المشاركة في محاربة الفساد الثقافي والسياسي؟ هل لدينا وثيقة قانونية تحمي المثقف العربي صاحب القضية من اضطهاد نظامه الثقافي المحلي؟

إنها مسائل علينا أن نقف أمامها ونناقشها قبل أن نقرر قدرة الكتاب العربي على حمل فورة التغيير والتقدم.

* * *



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد