Al Jazirah NewsPaper Tuesday  13/10/2009 G Issue 13529
الثلاثاء 24 شوال 1430   العدد  13529
الأرطاوية لبست ثوب الحزن بعد رحيلك والمكان يسأل عنك يا أبا نواف
مناور صالح الجهني

 

كان القمر بازغاً والشهر يتجه لأن يكمل نصف مدته يوم الأحد 15-10-1430هـ الساعة العاشرة مساء، عندما انتقل الخبر على وجه السرعة من الولايات المتحدة الأمريكية من إحدى غرف المستشفى الذي يرقد فيه ذاك القمر الذي غاب من سماء الأرطاوية وهو الشيخ عبدالله بن سلطان بن عبدالرحمن الدويش - الذي كان يتلقى علاجه هناك منذ فترة طويلة، كنا نستأنس بنوره بعيدا عنا بيننا وبينه المحيطات والبحار، كنا نتابع أخباره، في هذه الليلة قمت بالاتصال على الزميل ثامر المعتق للسؤال عن هذا القمر الذي غاب عنا طويلا، أصبحنا لا نشاهد نوره وضياءه كما كان بالسابق، طمأنني الأخ ثامر بانه كلمه قريب منه وانه بخير، وما هي إلا دقائق معدودة إلا وأتى الناقل الذي نقل لنا خبر وفاته، يصل الخبر إلى الارطاوية خلال فترة وجيزة ويؤلمها ويبكي عيون أهلها، ويخيم الحزن على شوارعها، لأنها فقدت ابنا بارا كريما شهما وفيا حسن الاخلاق وحسن الطباع، ساعيا لمصالحها راكضا وراء تحقيق كل ما يخدمها فكيف لا تبكيه الارطاوية، كيف لا ترتدي ثوب الحزن بعد ان كانت ترتدي ثوب الفرح بقدومه من رحلته العلاجية سابقاً، بكت الارطاوية لأن نورها انطفأ، بكاؤها جعلنا واقفين مشدودين، مذهولين، وغير مصدقين لما يحدث من حولنا لأن الصورة كانت ضبابية وغير واضحة، فقدناك ونحن نعيش وسط زحمة الحياة وتلاطم أمواجها، فقدناك وقد كنت قائد الركب الذي نسير خلفك، فقدناك يا من كنت تقود السفينة وتخوض غمار البحار، بكيناك لأنك نجم أفل من سمائنا ولن يعود مرة أخرى، الرجال يبكون وبكاؤهم لا يأتي إلا بأصعب المواقف وأشد المصائب ويوم رحيلك بكوك وزاد بكاؤهم في مثل هذه المواقف، وداعك آلمنا وفراقك أحزننا، هكذا الابتلاء يأتي وهكذا المصائب تنزل وهكذا الخطوب تشتد في فقد الرجال ممن هم أمثالك، قال تعالى {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}خطفك الموت من بيننا وهي ارادة الله وقدرته وهو الأجل المكتوب.

أبا نواف لقد تعلمت الوفاء وأرويت أشجاره حتى كبر وتعلى وأصبح الكل يقطف من ثماره، لقد تعلمت الوفاء الذي أرثه لك ذاك الشيخ الراحل الذي سبقك بالرحيل قبل ما يقارب (24) عاما والدك سلطان الدويش (رحمه الله) فأنت أثبت من جديد توريث القيم، كيف لا يكون الوفاء مخلدا لك وهو ينحدر من شجرة عبدالرحمن بن مزيد بن نايف الدويش (رحمه الله) الذي ترك إرثاً كبيراً من القيم والمبادئ والأخلاق، تلك الشخصية التي أبهرني الحديث عنها مما سمعته ممن عاشوا معها، وقد تمنيت انني حظيت بمعاصرته، ومازال التاريخ يحتفظ بسجايا تلك الشخصية ومازالت بعض الألسن ترددها، مهلا أبا نواف لقد استعجلت الوداع ونحن مازلنا مشتاقين إلى مشاهدتك ومتلهفين إلى سماع صوتك ومنتظرين قدومك لكي نشاهد تواضعك أكثر ونشاهد تلك الوجوه التي استقبلتك في فترة قدومك السابق، نريد ان نشاهد الفرح على وجوههم مرة أخرى، كيف لا يستقبلونك وأنت تتواضع لهم وتتمرد على الكبر وتعصي جنوده، أبا نواف المكان يفقدك المكتب ينتظرك الزائر يفجع برحيلك.

وقيمة الإنسان هي ما يضيفه إلى الحياة بين ميلاده وموته، وأنت أضفت الكثير وساهمت بالكثير، ولكن الآن هأنت تودعنا ودائما لا عودة بعده وداعا أبكى الطفل الفطيم واخرس الشيخ الحكيم، هو مركب حياتنا ونحن نستقله ينقلنا مرة من الطرق الوعرة إلى السهال ومرة إلى المنحدرات ومرة يصعد بنا ونحن نتطاير من سرعته لانه غير آمن وغير مستقر، هكذا اعتدنا من هذا المركب الذي نستقله يوميا، مرة نصل بأمان ومرة نصل ونحن مرهقون، هكذا حياتنا هي كهذا المركب تنزل علينا المصائب ونكون مؤمنين ويزيد ايماننا قوتها، ونسترجع ونكثر من {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}حتى يكون وقع المصائب علينا خفيفا وأثرها تخفيف من الذنوب، وعند قدومها تخف وطأتها، بكتك الرجال أيها الراحل واكتظت فيهم الطرقات والشوارع المؤدية إلى الجامع امتلأت ساحات المسجد وجنباته ومصلياته والخلوة، كبر الإمام وكبر الجميع والحزن يخيم عليهم ودعا ودعوا معه وترحم وأطال بالدعاء وأطالوا معه، نقلوك إلى المقبرة يحملونك على أعناقهم ومشيا على أقدامهم، وكانوا يقصرون الخطى لأن الاعين مشتاقة لتلقي عليك نظرة أخيرة وأنت تحمل على النعش، وصلنا إلى المقبرة وعندما أنزلوك إلى القبر زاد البكاء والنحيب وتقادم المعزين يعزون فيك بعضهم بعضا، جموع كثيرة بكتك، وصفوف متواصلة تبعتك، بكاك الجميع لأن سهام الحزن توغلت بداخل أفئدتهم، كل المحيطين فيك والبعيدين عنك توافدوا ودموعهم تسابقهم فبأي أسلوب ملكتها وبأي عبارات أحببتها،، أبا نواف ليس هم البشر الذين فقدوك بل حتى المكان، فقدتك تلك المدينة التي شكلت لديك حاسة سادسة ونذرت نفسك لخدمتها ووقتك لصالحها، كنت تحث خطاك وتسابق الزمن لكي تلحقها بركب غيرها، وسط بيوت الطينية ترعرعت وفي مدارسها تعلمت ولها عملت وواصلت تبحث عن رد الجميلة إليها، هي الآن من بعدك حزينة وهي كأم ثكلى فقدت ابنا بارا، فكيف حالها بعدك، قلبها حزين وفؤادها كسير، وعيونها تذرف الدموع، كيف لا تبكيك وهي التي ألفتك أعواما عديدة، كيف كان يومها غداة وفاتك، لأن سنينك التي قضيتها فيها لم يعترهن ضعف او وهن، وانى لهن ذلك وهن بنات لبون لم يغشهن من الزمن إلا تباشيره، فلم استعجلت الرحيل، لقد أسرجت خيول عطائك خلال تلك السنين وروضت النافر منها، نعم أيها الراحل، مهلا أيها الراحل فلابد ان نتعلم منك ذاك المزيج من الصفات الذي نقشه في وجوه الآخرين وكسبت قلوبهم وغلفت مشاعرهم، هكذا قرأناها نحن.

رحمك الله وأسكنك فسيح جناته.. وأنزل عليك شآبيب رحمته..

- بلدية الأرطاوية
* عضو هيئة الصحفيين السعوديين



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد