Al Jazirah NewsPaper Friday  30/10/2009 G Issue 13546
الجمعة 11 ذو القعدة 1430   العدد  13546
رجال صدقوا.. بلال مؤذّن رسول الله
د. محمد بن سعد الشويعر

 

بلال بن رباح مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخازنه على بيت ماله، رفعه الله بالإسلام، وأكرم منزلته في الدنيا بصحبة رسول الله، وفي الآخرة بالجنة، وما فيها من نعيم مقيم، حيث شهد له رسول الله، في حديث رواه بريدة قال: أصبح رسول الله فدعا بلالاً فقال: يا بلال بم سبقتني إلى الجنة، ما دخلتها قط إلا سمعت خشخشتك أمامي، إني دخلتها البارحة فسمعت خشخشتك، فأتيتُ على قصر من ذهب مربّع مشرف، فقلت: لمن هذا القصر؟

قالوا: لرجل من العرب، قلت: أنا عربي؟ قالوا: لعمر بن الخطاب، فقال - صلى الله عليه وسلم -: لولا غيرتك يا عمر لدخلته، فقال: يا رسول الله، ما كنت لأغار عليك، ثم قال لبلال: بم سبقتني إلى الجنة؟ قال: ما أحدثت إلا توضأت، وصليت ركعتين، فقال عليه الصلاة والسلام: بهذا. وفي رواية ولا أذّنت.

وفي رواية جابر - رضي الله عنه - قال: قال صلى الله عليه وسلم: دخلت الجنة البارحة، فرأيت امرأة أبي طلحة، وسمعت خشخشة أمامي، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: بلال.. والخشخشة الصوت الخفيف.

وقد بشّره ابن عمر بشارة طيبة، فقال له: أبشر يا بلال، فقال: بم تبشرني يا عبدالله بن عمر؟ قال: سمعت رسول الله يقول: يجيء بلال يوم القيامة معه لواء يتبعه المؤذنون، حتى يدخلهم الجنة، ورواية زيد بن أرقم قال صلى الله عليه وسلم: نِعْم المرء بلال، ولا يتبعه إلا مؤمن، وهو سيد المؤذنين، والمؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة.

وفي فضل بلال جاء حديث عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اتخذوا السودان فإن ثلاثة منهم من سادات الجنة: لقمان الحكيم، والنجاشي وبلال المؤذّن).

والذي اشتراه وأعتقه، أبو بكر الصديق، فلذا يقال له: مولى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، ولذلك حكاية: فقد كان مولّدا من مولّدي بني جمج، اشتراه أبو بكر فأعتقه، قال ابن عطاء: إن رسول الله وأبا بكر اعتزلا في غارٍ، فبينما هما كذلك إذْ مرّ بهما بلال وهو في غنم عبدالله بن جُدْمان، وبلال مولّد من مولّدي مكة، قال: وكان لابن جدعان بمكة مائة مملوك مولّد، فلما بعث الله نبيه محمداً، أمر بهم فأخرجوا من مكة، إلا بلالاً يرعى عليه غنمه بتلك، فاطلع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من ذلك الغار، فقال: يا راعي الغنم، هل من لبن؟ فقال بلال: ما لي إلا شاة منها قوتي، فإن شئتما آثرتكما بلبنها اليوم؟ فقال رسول الله: ائت بها. فجاء بها فدعا عليه الصلاة والسلام، بِقَعْبة، فاعتقلها رسول الله فحلب في القعْب حتى ملأه، فشرب حتى روي، ثم حلب حتى ملأه، فشرب أبو بكر، ثم احتلب حتى ملأه، فسقى بلالاً حتى روي، ثم أرسلها وهي أحفل ما كانت، ثم قال: يا غلام هل لك في الإسلام؟ فإني رسول الله. فأسْلَم، وقال اكتُم إسلامك، ففعل وانصرف بغنمه.

وبات بها وقد أضعف لبنها، فقال له أهله: لقد رعيت مرعى طيباً، فعليك به، فعاد إليه ثلاثة أيام، يسقيهما ويتعلم الإسلام، حتى إذا كان في اليوم الرابع، فمرّ أبو جهل بأهل ابن جدعان، فقال: إني أرى غنمكم قد نمتْ وكثُر لبنها، فقالوا: قد كثر لبنها منذ ثلاثة أيام وما نعرف ذلك منها، فقال: عبدكم ورب الكعبة يعرف مكان ابن أبي كبشة، فامنعوه أن يرعى ذلك المرعى، فمنعوه من ذلك المرعى، ودخل رسول الله مكة، فاختفى في دار عند المروة، وأقام بلال على إسلامه.

فدخل يوماً الكعبة، وقريش في ظهرها لا يعلم، فالتفت فلم ير أحداً، فأتى الأصنام وجعل يبصق عليها، ويقول: خاب وخسر من عبدكنّ، فطلبته قريش فهرب، حتى دخل دار سيده ابن جدعان، فاختفى فيها، ونادوا ابن جدعان فقالوا: أصبوت؟ قال: ولمثلي يقال هذا، فعليّ نحر مائة ناقة للات والعزى، فقالوا: إن اسودعك صنع كذا وكذا.

فدعا به فالتمسوه فإذا هو مختبئ، فأتوا به فلم يعرفه أحد، فدعا خوليّة - الراعي الحسن القيام على المال والغنم- فقال: من هذا؟ ألم آمرك ألا يبقى بها من مولد بها إلا أخرجته؟

فقال: كان يرعى غنمك، ولم يكن أحد يعرفها غيره، فقال لأميّة بن خلف، وأبي جهل: شأنكما به، فهو لكما اصنعا به ما أحببتما، فخرجا به إلى البطحاء، يبسطانه على رمضائها، ويجعلان رحى على كتفيه، ويقولان: اكفر بمحمد فيقول: لا ويوحد الله، فبينما هما كذلك، إذْ مرّ بهما أبو بكر، فقال: ما تريدان بهذا الأسود؟ والله ما تبلغان به ثأراً؟ فقال أميّة بن خلف لأصحابه: ألا ألعبنكم بأبي بكر، لعبة أحد بأحد ثم تضاحك وقال: هو على دينك يا أبا بكر فاشتره منا؟ فقال: نعم. فقال: أعطني عبدك نسطاماً - ونسطا من هذا عبداً لأبي بكر، حدّاد يؤدي خراجه نصف دينار - فقال أبو بكر: إنْ فعلتُ تفعل؟ قال: نعم. قال: قد فعلتُ. فتضاحك وقال: لا والله حتى تعطني معه امرأته؟ قال: إن فعلتُ تفعلْ؟ قال: نعم. قال: فذلك لك. قال: فتضاحك وقال: لا والله حتى تعطيني ابنته مع امرأته. قال: إن فعلتُ تفعلْ؟ قال: نعم. قال: قد فعلتُ. قال: فتضاحك أميّة وقال: لا والله حتى تزيدني مائتي دينار؟ قال أبو بكر: أنت رجل لا تستحي من الكذب. فقال: لا واللات والعزى، لئن أعطيتني لأفعلن؟ فقال أبوبكر - رضي الله عنه -: هي لك.. فأخذه منهم وأعتقه.

قال أبو نعيم في الحلية: إنّ ورقة بن نوفل كان يمرّ ببلال، وكفار قريش يعذبونه، وهو يقول: أحدٌ أحدٌ. فيقول ورقة: أحد أحد، الله يا بلال، ثم يقبل ورقة على أميّة بن خلف، وهو يصنع ذلك ببلال، فيقول: احلف بالله لئن قتلتموه على هذا، حناناً، حتى مرّ أبوبكر الصديق وهم يصنعون ذلك، فقال لأميّة: ألا تتقي الله في هذا المسكين، حتى متى؟ قال: أنت أفسدته فأنقذه مما ترى: فقال أبوبكر، أفعل عندي غلام أسود، أجلد منه وأقوى، على دينك أعطتْكه به؟ قال: قد قبلْتُ. قال: هو لك، فأعطاه أبوبكر غلامه ذلك، وأخذ بلالاً فأعتقه، ثم أعتق معه على الإسلام، قبل أن يهاجر من مكة، ست رقاب بلال سابعهم.

وقال أيضاً في حديث آخر بسنده: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم -، على بلال وعنده صَبْر بن تَمْرٍ، فقال: ما هذا يا بلال؟ قال: يا رسول الله ادّخرته لك، ولضيفانك. قال: (أما تخشى أن تكون لك سِجار في النار، انفق بلالا، ولا تخش من ذي العرش إقلالا) وقال له النبي: (يا بلال مُتْ فقيراً ولا تَمُتْ نقِيراً) فقال بلال: يا رسول الله: فكيف لي بذلك؟ قال: (ما رُزقْتَ فلا تخبأ، وما سئلت فلا تمنع) فقلت: يا رسول الله كيف لي بذلك؟ قال: (هو ذلك أو النار).

قدم بلال من الشام إلى المدينة، ولما سلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رأى الحسن والحسين، فجعل يضمهما ويقبّلهما. فقالا له: يا بلال نشتهي نسمع أذانك، الذي كنت تؤذّن به لرسول الله في السّحر؟ ففعل. فعلا سطح المسجد، فوقف موقفه الذي كان يقف فيه: فلما أن قال: الله أكبر الله أكبر، ارتجّتْ المدينة، فلما أنْ قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ازداد رجتها، فلما أن قال: أشهد أنّ محمداً رسول الله، خرج العواتق من خدورهنّ، وقالوا: أبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

فما رُئي يوم أكثر باكياً ولا باكية بالمدينة، بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من ذلك اليوم.

وذكر ابن عساكر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لما توفي، أذن بلال، ورسول الله لم يقبر، فكان إذا قال: أشهد أن محمداً رسول الله، انتحب الناس في المسجد فلما دُفنِ رسول الله، قال له أبوبكر: أذّن: فقال: إنْ كنت إنما أعتقتني لأكون معك فسبيل ذلك، وإن كنت أعتقتني لله، فخلني ومن أعتقتني له. فقال: ما أعتقتك إلا لله، قال: فإني لا أؤذن لأحدٍ بعد رسول الله، قال أبوبكر: ذلك لك. فأقام بلال حتى خرجت بعوث الشام، فسار معهم حتى انتهى إليها.

وفي فضائل بلال -رضي الله عنه -، وردت أحاديث: منها أنّ أبا ذر عيّر بلالاً بأمّه، فقال: يا ابن السوداء، فأتى بلال رسول الله فأخبره فغضب، فجاء أبو ذر ولم يشعر، فأعرض عنه النبي، فقال: ما أعرضك عني إلا شيء بلغك. فقال عليه الصلاة والسلام، أنت الذي تعيّر بلالاً بأمّه؟.

ثم قال: والذي أنزل الكتاب على محمد - أو ما شاء الله أنْ يحلف- ما لأحد على أحد فضل، إلا بعمل، إنْ أنتم إلا كطفّ الصاع، ويقول بلال: مررت على فاطمة - رضي الله عنها -، وهي تعالج الرحا، وابنها الحسين يبكي، وحانت الصلاة فقلت لها: أيما أعجب إليك، أكفيك الرّحا أو الصّبيّ؟ فقالت: أنا ألطف بصبيّ، فأخذت الرحا فطحنت عنها، فأتيت النبي فقال: يا بلال ما حبسك؟ فأخبرته فقال صلى الله عليه وسلم: رحمتها رحمك الله. وقد توفي عام 20 من الهجرة في دمشق.

من حِكم العرب

جاء في كتاب المستطرف: أنّ الحجاج بن يوسف، سأل يوما الغضبان بن القبعثريّ عن مسائل يمتحنه فيها، فقال له: من أكرم الناس؟ قال: أفقههم في الدين وأصدقهم لليمين، وأبذلهم للمسلمين، وأكرمهم للمهانين، وأطعمهم للمساكين.

قال: فمن ألأم الناس؟ قال: المعطى على الهوان، المقتر على الإخوان، الكثير الألوان.

قال: فمن شرّ الناس؟ قال: أطولهم جفوة، وأدومهم صَبْوة، وأكثرهم خلوة، وأشدّهم قسوة.

قال: فمن أشجع الناس؟ قال: أضربهم بالسيف، وأقراهم للضيف، وأتركهم للحيف. قال: فمن أجبن الناس؟ قال: المتأخر عن الصّفوف، المنقبض عن الزحوف، المرتعش عند الوقوف، المحبّ ظلال السقوف، الكاره ضرب السيوف.

قال: فمن أثقل الناس؟ قال: المتفنن الملام، الضّنين بالسلام، المهذار في الكلام، المقبقب على الطعام.

قال: فمن خير الناس؟ قال: أكثرهم إحسانا، وأقومهم ميزاناً، وأدومهم غفرانا، وأوسعهم ميداناً.

قال: لله أبوك، فكيف يعرف الرجل الغريب، أحسيب هو أم غير حسيب؟ قال: أصلح الله الأمير: إن الرّجل الحسيب يدلك أدبه وعقله، وشمائله وعزّ نفسه، وكثرة احتماله، وبشاشته، وحُسن مداراته على أصله، فالعاقل البصير، بالأحساب يعرف شمائله، والنذل الجاهل يجهله، فمثله كمثل الدرة الحسنة، إذا وقعت عند من لا يعرفها، ازدراها وإذا نظر إليها العقلاء، عرفوها وأكرموها، فهي عندهم لمعرفتهم بها، حسنة نفيسة.

فقال الحجاج: لله أبوك: فمن العاقل؟ ومن الجاهل؟ قال: أصلح الله الأمير، العاقل الذي لا يتكلم هذراً، ولا ينظر شَزْراً، ولا يضمر غدْراً، ولا يطلب عُذْراً، والجاهل هو المهذار في كلامه، المنان بطعامه، الضّنين بسلامه، المتطاول على إمامه، القاضي على غلامه.

قال: فمن الحازم الكيّس؟ قال: المقبل على شأنه، التّارك لما لا يعنيه. قال: فمن العاجز؟ قال: المعجب بآرائه، المتلفت إلى ورائه. قال: هل عندك من النساء خير؟ قال: إني بشأنهن خبير، إن النساء من أمهات الأولاد، بمنزلة الأضلاع، إن عدّلتها انكسرت، ولهنّ جوهر لا يصلح إلا على المداراة، فمن داراهنّ انتفع بهنّ، وقرّت عينه، ومن شاورهنّ كدّرن عيشه، وتكدّرت عليه حياته، وتنغّصتْ لذّاته، فأكرمهنّ أعفهنّ، وأفخر أنسابهن العفّة، فإذا زِلْنَ عنها، فإنهنّ أنتن من الجيفة.

(المستطرف للأبشيهي 1: 47).




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد