Al Jazirah NewsPaper Thursday  05/11/2009 G Issue 13552
الخميس 17 ذو القعدة 1430   العدد  13552
جازان.. الإنسان والمكان
بقلم معالي الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين

 

لا يحلو الحديث عن جازان، إلا بالحديث بداية عن جازان: المكان والإنسان.. أتيتُ إلى جازان زائراً قبل ثلاثين عاماً في رحلة طلابية، وما أبعد الليلة عن البارحة، وشتّان بين الأمس واليوم.. كانت جازان رتيبة وديعة هادئة، تنام مع الغروب، وتستيقظ مع الشروق، ويضبط البحر والسهل والجبل إيقاع الحياة، شأن الإنسان في كل مكان وزمان عندما تكون الفطرة والطبيعة والصراع من أجل البقاء هي موجهات السلوك، وصمامات أمان العيش.. ثم في رحلة أميرية سميّت حينها من (كان إلى جازان) فجأة بدأ التغيير، وأظنه إلى الأبد.

تغير المكان، واستيقظ الإنسان، وأصبحت جازان غير جازان، ثم أتت (الرحلة الملكية) إلى ذات المنطقة لترسم معالم الطريق، وتضع جازان -المنطقة والإنسان- على خارطة العصر، وعلى مسار التنمية، وتزرع في جسد الاثنين (المكان والإنسان) جينات جديدة للحاق بالركب، والاشتراك في السباق الصعب.

ومن نافلة القول التصريح بالقول أن ملك الإنسانية عبدالله بن عبدالعزيز، وما بين رحلتين: أميرية وملكية، شاءت الأقدار السعيدة أن نكون جميعاً شهوداً عليها، هما سنام المفاصل التاريخية، والتحولات التنموية، إذا كُتب تاريخ هذه المنطقة.

الحمد لله أن أتى اليوم الذي يُرى في جازان جامعة علمية، ومدينة اقتصادية، وخدمات اجتماعية متطورة، وبنية تحتية عصرية، وأمير مستنير، ومواطن واعٍ، قادر على التعامل مع أدوات العصر، ومتطلبات التنمية، بأفق واسع، ونفس واثقة، متكئة على مخزون غني من ثوابت الدين، وعزم القيادة، وطموحات شعب، وآمال جيل.

وأقولها سراً وجهراً بأن جازان، المكان والإنسان، من أقدر مناطق المملكة - وبتوفيق من الله - أن تكون أنموذجاً متميزاً للتنمية المستدامة بين مناطق المملكة، فقد حباها الله الجغرافيا (سهلاً وبحراً وجبلاً)، وحباها الموارد الطبيعية المواتية (ماءً ومناخاً وطيب أرض)، وحباها الموقع (وصلاً وتواصلاً واتصالاً)، والأهم من هذه وتلك حباها المواطن الصالح (كثافة وعزماً ووعياً).. هذه هي جازان المكان.

أما جازان الإنسان فإنني لا أُخفي محبتي له، وإعجابي بمواهبه.. فعندما شرفتُ برئاسة الجمعية العربية السعودية للثقافة، وأسعدني الحظ بلقيا نخب الثقافة والأدب والإبداع بهذه المنطقة، تولد لديّ شعور يتأكد يوما بعد يوم، وهو أن كل مواطن ألقاه في هذه المنطقة إما أن يكون شاعراً، أو أديباً، أو فناناً، أو مبدعاً.. وشواهد الساحة الأدبية والثقافية والفنية والرياضة في بلادنا من هذه النماذج خير شاهد ومشهود.

وبمناسبة جائزة الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز للتميز والتفوق العلمي لطلاب جازان، وبكل الاعتزاز والتقدير الذي أحمله لأمير المنطقة ورئيس الجائزة، هذا الأمير الذي شرف بثقة ولاة الأمر - حفظهم الله - أميراً لهذه المنطقة، فأسر الجميع بتواضعه، ونال الإعجاب بهدوئه، وحبّب الناس لنفسه بكرم نفسه، وإلى جانب هذه وتلك برغبة صادقة في أن تكون جازان الشاهد الحي على تجربة تنموية سعودية معاصرة في المكان والزمان والإنسان، وفي كل مرة ألقى سموه في جازان أو الرياض أو غيرهما، أراه وهو لا همّ له، ولا حديث إلا معشوقته وحبيبته: جازان..

وعندما أطلق سموه هذه الجائزة فإنه استشعر ما توليه القيادة الرشيدة من اهتمام بالعلم والعلماء، وبالنبوغ والموهبة، فسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - لا يشغله شأن أكثر من أن يرى المواطن السعودي في كل منطقة، وقد نال نصيبه من العلم النافع، الذي يعيد لهذه الأمة موقعها الأصيل في مدارج العز، وذرا التمكين، وهذا لن يتأتى إلا بأن يمتلك الشاب السعودي مفتاح الحضارة، وأداة التقدم وهو العلم.

ولذا نجد أن تشجيع خادم الحرمين الشريفين للتعليم أخذ مسارات غير مسبوقة طالت التوسع في افتتاح الجامعات، ومعاقل العلم، ومراكز البحث، وتطوير نظام التعليم، وبرامج الابتعاث، ومنح الجوائز والأوسمة، وكنا قبل أسابيع على موعد مع التاريخ بافتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية.. أما تشجيع الموهبة والمواهب فإن مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله خير شاهد وحاضن للموهبة السعودية في مختلف المجالات.

وسار على هذا النهج في تشجيع الموهبة والتميز عبر منح الجوائز سيدي ولي العهد الأمير سلطان أعاده الله للوط سالماً معافا، وسمو سيدي النائب الثاني نايف بن عبدالعزيز في منح الجوائز العلمية، وإنشاء الكراسي البحثية التي تحمل اسم سموه.. لأنهم جميعاً يدركون أن أغلى ما تملكه الأوطان، وأثمن ثروات الشعوب، وأفضل مجالات الاستثمار هي الإنسان.

وهنا أتوجه بكليمات لأبنائي وبناتي الطلاب والطالبات في هذه المنطقة الغالية من الوطن فأقول: هنيئاً لكم بالفوز بهذه الجائزة، والأمير كريم، وأنتم تستاهلون، وننتظر منكم المزيد، فأنتم معقد الأمل، وعدّة المستقبل، واغتنموا هذه الفرصة، وقد فُتِحت أمامكم دور العلم، ومعاقل الحضارة، وتحظون بدعم القيادة: السامية في مقاصدها، والعالية بهمتها، والتي هاجسها الدائم أن ينهل الطالب السعودي من مناهل العلم، وينال التكريم والمكان اللائقة به، لتكون بلادنا المباركة، كما كانت وستظل - بحول الله -، منارة للعمل، وموئلاً للعلماء.. وما ذلك على عزائم أمثالكم بعزيز.. نِعمَ الطالب والمطلوب.

* وزير الشؤون الاجتماعية
بمناسبة حفل جائزة الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز للتفوق العلمي



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد