Al Jazirah NewsPaper Sunday  08/11/2009 G Issue 13555
الأحد 20 ذو القعدة 1430   العدد  13555
الجمعيات الخيرية جاءت.. فمتى يأتي صندوق الوقف الصحي؟
عثمان عبدالعزيز الربيعة

 

المجتمع المدني هو واجهة المجتمع المتحضر.

أما قوام المجتمع المدني فيتشكل من مؤسسات وهيئات وجمعيات غير حكومية تهدف للنفع العام، وأيضاً من نشاطات الأفراد المبذولة في سبيل الغير والخير تطوعاً. وقد بلغ الاهتمام بمؤسسات المجتمع المدني في بلادنا

درجة جعلت مجلس الشورى يناقش أمرها ويقر بعد ذلك مشروع نظام يوحد جهات الترخيص والإشراف والرقابة عليها في هيئة شبه حكومية يرأسها وزير تعينه الحكومة، والمأمول هو ألا يخرج هذا التنظيم تلك المؤسسات من طابع المجتمع المدني، ما دامت تعمل مستقلة ولصالح الغرض الذي أنشئت من أجله.

وفي بلادنا العزيزة يقف على رأس هذه الأنشطة والمؤسسات غير الحكومية الهادفة للنفع العام الجمعيات الخيرية التي ترخص لها وزارة الشؤون الاجتماعية وتمنحها بعض الدعم المادي.

وقد بلغ عدد هذه الجمعيات خمسمائة وستين جمعية خيرية تنشط لأغراض مختلفة بعضها ديني وبعضها صحي وبعضها تربوي وبعضها لمساعدة الفقراء وبعضها مخصص لرعاية فئات اجتماعية معينة.

ومع تعدد الجمعيات الخيرية وتشابه أغراضها في بعض الأحيان يصبح الازدواج بينها في النشاط أمراً وارداً قد يضعف من إمكاناتها ويحد من فاعليتها، مما لا يمكن تحاشيه إلا إذا كان النطاق الجغرافي محدداً عند التأسيس أو كان هناك تنسيق في العمل بين الجمعيات المتشابهة في الأغراض والجماعات المستهدفة. وربما يصبح ذلك -يوماً ما- من مهام الهيئة المشار إليها.

ومدار الحديث في هذه العجالة هو العمل الخيري الصحي، فمن أجل هذا الغرض رخصت وزارة الشؤون الاجتماعية لما يقارب عشرين جمعية تختلف ليس فقط في جماعاتها المستهدفة، بل أيضاً في مدى اتساع نشاطها وإمكاناتها المادية والتنظيمية. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر: جمعية الأطفال المعوقين وجمعية الأمير فهد بن سلمان لرعاية مرضى الفشل الكلوي، وجمعية الإعاقة الحركية للكبار، وجمعية مكافحة السرطان، وجمعية السكر والغدد الصماء، وجمعية متلازمة داون، وجمعية زمزم، والجمعية الخيرية الصحية لرعاية المرضى، والمؤسسة الخيرية للرعاية الصحية المنزلية، وجمعية الإعاقة السمعية، وجمعية مرضى الزهايمر، وجمعية تعزيز الصحة، وجمعية التوعية الصحية (حياتنا)، وجمعية مكافحة التدخين، وغيرها مما فاتني ذكره.

ولا حاجة للقول إن هذه الجمعيات تعتمد في تمويلها كثيراً على التبرعات السخية من أهل الخير وعلى الزكوات. ولعل هذا التمويل، وإن كان غير كاف، يوضح السبب في أن الجمعيات الخيرية الصحية -بصفة عامة- أكثر نشاطاً من الجمعيات العلمية الصحية، على الرغم من أن أهدافها ومجالات عملها في بعض الأحيان متشابهة.

الميزة الظاهرة في الجمعيات الخيرية الصحية تتمثل في كونها تقدم خدمة مباشرة معلومة لذوي الحاجة، فهي تتصل بهم وعلى دراية ومعرفة بما هم في حاجة إليه.

لذلك تطيب نفس المتبرع بما يتبرع به ونفس العامل المتطوع في الجمعية بما يعمله لصالح هؤلاء المحتاجين.

إلا أن التبرعات -مهما بلغ سخاء المتبرعين- وقتية ليست مستدامة، لذلك تكافح الجمعيات والمؤسسات الخيرية الصحية من أجل الحفاظ على تدفق التبرعات وإثبات الحاجة والاستحقاق للزكوات.

وفي ظني أن كثيراً من المتبرعين يتمنون أن تكون صدقاتهم جارية، لأن هذا أنفع لذوي الحاجة وأدوم للعمل المأجور، مصداقاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، وذكر إحداها الصدقة الجارية. وليس شيء أصلح لهذا الغرض من إنشاء الأوقاف. فالوقف ريعه مستمر. وفي تاريخ الأوقاف وما قامت به من أدوار بناءة في الحياة العامة ونشر العلم وإقامة دور العلاج شواهد معروفة للجميع سواء في تاريخنا البعيد أو القريب. وقد حرص كثير من أصحاب الأملاك والأعمال على التوصية بوقف بعض أملاكهم أو شيء من ريعها أو إنشاء أوقاف جديدة لصالح أعمال خيرية، إلا أنها تظل أوقافاً فردية فوائدها محدودة وإدارتها ومتابعتها صعبة، وبعضها قد يندثر لغياب العناية بها، وليس كل الواقفين من ذوي الثروات الذين قد تدر أوقافهم ريعاً يكفي لتقديم خدمة صحية مستمرة.

لذلك يبدو أن تنظيم الأوقاف واستثمارها وتوجيهها إلى أولويات الرعاية الصحية لذوي الحاجة مطلب يحقق رغبات الواقفين ويشعرهم بالاطمئنان. إن الشعور بأهمية هذا المطلب كان وراء سعي كل من وزير الأوقاف ووزير الصحة السابق إلى إيجاد آلية تنظيمية تستجيب له. وقام الوزيران في رجب عام 1425هـ بتوقيع مذكرة تفاهم تتضمن إنشاء صندوق للوقف الصحي وتحديد أغراضه وموارده.

ورفعت هذه المذكرة إلى المقام السامي الذي وجه ببحثها في هيئة الخبراء ثم في مجلس الشورى إلى أن صدر قرار مجلس الوزراء في 26-1-1429هـ بالموافقة على تنظيم (صندوق الوقف الصحي) الذي يعطي الصندوق صفة الشخصية الاعتبارية المستقلة تحت إشراف مجلس إدارة يرأسه وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف ويضم في عضويته خمسة من مسؤولين حكوميين على مستوى وكيل وزارة وخمسة آخرين يمثلون الواقفين. وقد مضت منذ صدور التنظيم المذكور زهاء السنتين، ولكن حتى تاريخ اليوم لا تلوح في الأفق بارقة نور تجلى مكان الصندوق على أرض الواقع الملموس. فلعله التأخير البيروقراطي المعهود الذي لن يدوم طويلاً. إلا أنه مع تنامي التوجه الإنساني لأفراد المجتمع القادرين على المساهمة في فعل الخير، إما من خلال الجمعيات الخيرية الصحية أو التبرعات الفردية المباشرة فإن إخراج صندوق الوقف الصحي إلى حيز الوجود يمثل دعماً كبيراً للعمل الخيري الصحي، بل داعياً إلى المزيد منه، وسانداً قوياً للجمعيات والمؤسسات الخيرية الصحية ومتجاوباً مع توجهات السياسة الصحية التي تتطلب وجوده. ومنذ وقت ليس ببعيد اعتمد مجلس الوزراء استراتيجية الرعاية الصحية في المملكة التي أكدت على تفعيل النشاط الأهلي الخيري وأموال الأوقاف ضمن سياسات تمويل الخدمات الصحية (قرار المجلس رقم 320 في 17-9-1430هـ. ولا يجب أن يعد إناطة الإشراف عليه بمجلس إدارة نصف أعضائه يمثلون جهات حكومية نوعاً من التحكم البيروقراطي. ذلك أن النصف الآخر يتكون من ممثلين للواقفين أنفسهم، ولأن التنظيم الذي يستند إليه الصندوق أعطى الصندوق صفة الاستقلال الإداري والمالي في أداء عمله.

ولهذا السبب وللحاجة الماسة فإنه حتى لو كانت هناك إجراءات تنظيمية أخرى لها علاقة بهذا الصندوق وغيره من الصناديق الخيرية، فلا ينبغي أن يكون ذلك حائلاً دون انطلاق الصندوق. ولا أقول هذا إلا لعلمي أن معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف كان دائماً من المؤيدين لفكرة إنشاء الصناديق المستقلة. وأعرف ذلك عن يقين، منذ حضوري لندوة حول الوقف في الشريعة الإسلامية أقيمت في الرياض عام 1423هـ واستمعت فيها لتعقيب معاليه على بعض أبحاثها فلا يعدو إذن أن يكون من تحصيل الحاصل أن نقول إن معاليه أحرص منا على إتمام هذا المشروع. والله الهادي إلى طريق الخير.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد