Al Jazirah NewsPaper Sunday  08/11/2009 G Issue 13555
الأحد 20 ذو القعدة 1430   العدد  13555
صياغة رؤية أوروبية للعالم
ألكسندر كواتزنيفسكي

 

يشكو البعض من أن الاتحاد الأوروبي يفتقر إلى (رؤية كونية). والحق أن مشكلة الاتحاد الأوروبي هي أنه لديه وفرة مفرطة من مثل هذه الرؤى.

إن التجارب التي عاشها الأوروبيون والمصالح المشتركة التي تربط بينهم تعني أنهم لابد وأن يكونوا حريصين على تبني وجهة نظر مشتركة بشأن القضايا العالمية. ولكن الحقيقة المحزنة هي أن الضغوط السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية تميل إلى دفع البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ومواطنيها في اتجاهات متعارضة؛ ويبدو أن التاريخ المشترك لا يشكل أساساً كافياً لوضع سياسات مشتركة.

ولكن كلما كانت السياسات التي تتبناها أوروبا أقرب إلى العملية والواقعية كلما كانت فرص النجاح أعظم، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالقضايا العالمية. إن الأوروبيين يتقاسمون تقييماً مشتركاً للعديد من المشاكل العالمية، وكثيراً ما يستخدمون أساليب واستراتيجيات مشتركة في التعامل مع مثل هذه المشاكل.

على سبيل المثال، هناك إجماع متزايد فيما يتصل بقضايا مثل تغير المناخ، والهجرة، ومساعدات التنمية، ويصدق نفس القول حين نتحدث عن سياسة الطاقة وتطوير استراتيجية الأمن الأوروبي. والاتفاق في هذه المناطق ليس مجرد انعكاس لبعض القواسم المشتركة الدنيا؛ ففي كل من هذه المناطق أسهمت أوروبا بقدر كبير من القيمة المضافة على مستوى عالمي.

الواقع أن المواقف الأوروبية في مجموعها أصبحت مرادفة لحلول المشاكل التي يواجهها العالم. ذلك أن قضايا مثل تغير المناخ وأمن الطاقة والتحديات الديموغرافية كانت تشكل جزءاً من الخطاب الأوروبي لسنوات عديدة؛ والآن بدأت أجزاء أخرى من العالم تتقاسم مع الأوروبيين نفس الخطاب.

وربما تعمل الأزمة المالية والاقتصادية العالمية أيضاً كعامل محفز لتعزيز رؤية أوروبا لنظام عالمي جديد. والحقيقة أن رؤية الاتحاد الأوروبي لاقتصاد رأسمالي مسخر للتقدم الاجتماعي وخاضع للتنظيم، في محل سياسة عدم التدخل من جانب الدولة، بدأت في اكتساب النفوذ على نحو متزايد. ويتعين على القوى الاقتصادية الجديدة، مثل الصين والهند والبرازيل، أن تبحث عن سبل خاصة بها للتصدي للظلم الاجتماعي وتشجيع تكافؤ الفرص للجميع، وهنا سنجد أن النموذج الأوروبي يبدو جذاباً على نحو متزايد في نظر هذه القوى الجديدة.

غير أن العديد من الخلافات ما زالت تفصل بين المجتمعات داخل الاتحاد الأوروبي. وهناك وجهات نظر متباينة فيما يتصل بالعديد من المشاكل العالمية ذات الأهمية البالغة. ورغم أن هذه الخلافات قد تتضاءل مع الوقت، فإنها تتخذ في بعض الأحيان هيئة واضحة المعالم إلى حدٍ مزعج، كما كانت الحال إزاء غزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة.

ولكن مما يدعو إلى التفاؤل أن الخلافات الأوروبية بشأن القضايا العالمية لم تخلف أي تأثير مفرط على الديناميكيات الداخلية للاتحاد الأوروبي. فالحرب في العراق لم تتسبب في تأخير توسع الاتحاد الأوروبي، ولم تكن السبب وراء فشل الاستفتاءين في فرنسا وهولندا بشأن المعاهدة الدستورية ومعاهدة لشبونة.

ويتعين على أوروبا أن تعمل على تطوير الهياكل البنيوية وعمليات اتخاذ القرار القادرة على الحد من تضارب المصالح، وذلك من خلال تقديم حلول وسط. وهذا هو جوهر معاهدة لشبونة، التي صممت بحيث تسمح بالاستعانة بمؤسسات وآليات جديدة تهدف إلى تعزيز التماسك السياسي فيما يتصل بالسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي. إن تحويل المزيد من نطاقات المسؤولية، مثل المساعدات الخارجية وسياسات التنمية، إلى مؤسسات الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يعين الاتحاد على التكيف مع الحقائق الدولية الجديدة من خلال تعزيز أهميتها المتنامية باعتبارها مركزاً لصنع القرار في أوروبا.

إن صياغة رؤية مشتركة للعالم لابد وأن تبدأ بالجوار المباشر لأوروبا. ولقد احتضن توسع حلف شمال الأطلنطي والاتحاد الأوروبي عدداً كبيراً من الدول في أوروبا الوسطى والشرقية وفي منطقة غرب البلقان. ولكن على الرغم من هذه الإنجازات فإن التكامل الأوروبي ما زال بعيداً عن الاكتمال، ولسوف يظل الأمر على حاله هذه ما لم تتبع كل البلدان الأوروبية نفس مسار التنمية.

كان هذا الإخفاق سبباً رئيسياً وراء المأساة التي شهدتها منطقة البلقان في تسعينيات القرن العشرين. ولكن مما يدعو إلى التفاؤل أن زمن الصراع المسلح في المنطقة قد ولى إلى غير رجعة، خاصة وقد أصبحت دول البلقان على الطريق إلى الالتحاق بعضوية حلف شمال الأطلنطي والاتحاد الأوروبي. بيد أن أوروبا الشرقية أيضاً، وخاصة أوكرانيا ومولدوفا، لابد وأن يكون التعامل معها باعتبارها منطقة ذات أهمية خاصة.

إن أوكرانيا التي يبلغ تعداد سكانها 46 مليون نسمة أضخم وأعظم أهمية من أن تستبعد من أي رؤية لمستقبل أوروبا. ورغم ذلك فإن الاستراتيجية التي تبناها الاتحاد الأوروبي في التعامل مع أوكرانيا كانت تتسم بالغموض والإبهام. ولقد تباطأ محرك الإصلاح الذي غذته الثورة البرتقالية، أو لعله توقف تماماً، بسبب الأزمة السياسية والاقتصادية الداخلية، ولكن عدم اكتراث الاتحاد الأوروبي بمصير أوكرانيا كان أيضاً وراء ذلك التباطؤ.

إن افتقار الاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي للإجماع بشأن العديد من القضايا العالمية، فضلاً عن القضايا القارية مثل أوكرانيا، لا يدعو إلى اليأس. والمهمة التي يتعين على الاتحاد أن يقوم بها في هذا السياق تتلخص في إيجاد حلول مشتركة واتخاذ تدابير مشتركة في مجال السياسة الخارجية، حتى وإن كانت بعض حكومات الاتحاد الأوروبي ترى الأمور بعين مختلفة.

ألكسندر كواتزنيفسكي كان رئيساً لبولندا في الفترة من 1995 إلى 2005م.
خاص «الجزيرة»



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد