Al Jazirah NewsPaper Thursday  19/11/2009 G Issue 13566
الخميس 02 ذو الحجة 1430   العدد  13566

المهندس حرب الزهير إلى دار البقاء
عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف

 

أرى كلّ حي لا تزال طليعةً

عليه المنايا من ثنايا المخارم

بينما الإنسان يعيش مغتبطاً جذلاً بما يفرحه ويؤنسه من أطايب الحياة وملذاتها وما يحيط به من أهل وجيران وأحباب تأنس به وتوسع له صدر المكان إذا حضر إكراماً وإجلالاً، ولاسيما إذا كان ذا علم وأدب ومال وفير مفيد يضعه فيما يعود عليه وعلى وطنه وأهله بالخير العميم..، فإذا بهادم اللذات ومفرق الأحباب والجماعات ينزل بساحته على عجل وبدون وعد مسبق..! وهذا يذكرنا بالأخ الكريم المهندس حرب بن صالح الزهير - أبو طلال - حيث فاجأه شعوب صباح يوم الاثنين الموافق 21-11- 1430هـ وهو يتناول طعام الإفطار في جو عائلي مع أسرته، فانتزعه من بينهم، ولم يعطه فرصة التفكير في أمره - قال سبحانه و تعالى في محكم كتابه العزيز: { فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} (34) سورة الأعراف.

وكأني به يخطط للسفر إلى خارج المملكة - كعادته - وما آب من سفر إلا وعنىْ له آخر - للإشراف على شطر من أعماله التجارية ومؤسساته العملاقة المنتشرة في عدد من بلدان العالم متباعدة الآفاق عبر البحار..، وكان لرحيله المفاجئ وقع مؤلم في نفوس أسرته ومحبيه في بلده مهوى رؤوس أجداده بمحافظة حريملاء.. وغيرها من البلدان الداخلية والخارجية لما يتمتع به من دماثة الأخلاق والتواضع الجم مع الصغير والكبير، بل وبكثرة أصدقائه ومعارفه، ولقد سعدنا بالتعرف عليه بعد تركه العمل بوزارة المواصلات - آنذاك - منذ سنوات وعرفنا فيه السماحة ولين الجانب والكرم..، ولاسيما يوم أصبح من كبار أصحاب الزراعة والفلاحة بحريملاء. وقد اشترى مساحات واسعة في سهولها وبعض شعابها وجبالها التي ذللها وطوع سفوحها بالمعدات الجبارة ثم غرس فيها النخيل والأشجار بل وفي باطن الشعاب..، كما شيد فوق قمة الجبل قصراً منيفاً شكله المعماري يذكر بالمباني الفرنسية في تصميمه، وبقصره المشيد هناك الذي يعتبر من أكبر القصور بفرنسا..! فماله الوفير مكنه من إرضاء نفسه بإيجاد محلاً أو محلات في عدد من بلدان العالم..، ولقد استفادت محافظة حريملاء ومدينة الرياض من منتجاته الزراعية بحريملاء وأهمها الخضراوات والفواكه.. ومعظمها من تحت المحميات العملاقة..، وكان قصره الذي يعتبر من المعالم البارزة ملتقى للضيوف ومحبيه إذا حضر المتربع على قمة ذاك الجبل العالي المطل على الطريق العام المتجه صوب محافظة شقراء والمحافظات المجاورة غرب حريملاء، فطابعه الكرم، ولا ينسى محبيه وأقربائه، وبعض رؤساء الدوائر الحكومية والمؤسسات التجارية.. فيقوم بإكرامهم ويتجاذب معهم أطراف الأحاديث الودية وضربا من الطرائف الترويحية، فعمله - رحمه الله - في ذلك المكان الصخري الجبلي الذي حوله من وعورة الطبيعة وخشونتها إلى أرض زراعية بقوة المادة حافلة الآن بأعداد كبيرة من فسائل النخيل ذات الأصناف المميزة، وكذلك بعض الزهور والورود وأشجار الزينة التي جلبها من الخارج فهو يبذل عشرات الملايين في تطوير وتنمية مزارعه الرحبة بما فيها الخيمات المحمية المتربعة على أجزاء كبيرة من ملكه الواقع بالجهة الجنوبية المسماة « بالأبرق» أحد الشعاب الكبيرة بحريملاء، كما أنه قد بنى مسجداً على ناصية الطريق العام - جزاه الله خيراً - ويقول لي إذا كنت في فرنسا أو في أي بلاد نائية.. أن قلبي يهفو دائماً إلى زيارة حريملاء، وتسريح النظر في مزارعي، والاستمتاع بجوها وهوائها العليل رغم وجود مزارع رحبة الجوانب بجنوب فرنسا. وهذا يذكرنا بقول الشاعر:

بلاد ألفناها على كل حالة

وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن

وتستعذب الأرض التي لا هوى بها

ولا ماؤها عذب ولكنها وطن

مع العلم أن حريملاء تعتبر من أجمل بلدان نجد في نقاء جوها وعذوبة مائها وينطبق على - أبو طلال - قول الشاعر

المرء يسرح في الآفاق مضطرباً

ونفسه أبداً تهفو إلى الوطن

ويقول الآخر:

ما من غريب وإن أبدى تجلده

إلا تذكر عند الغربة الوطنا

وكأن لسان حال الأخ المهندس حرب يرد على من يستغرب تفننه في بناء وتشييد قصره فوق قمة ذاك العلم العالي بهذين البيتين الذين غالبا ما يكتبان على واجهات بعض المعالم البارزة في مكة المكرمة والطائف:

قسما بمن رفع السماء بغير طي

واختار خير الخلق من آل لؤي

لم أبنها طمع الخلود وإنما

هي زينة الدنيا لحي بعد حي

والحقيقة أن أبا طلال، والأستاذ الفاضل سعد بن عبدالله بن عمار قد ساهما في تجميل مداخل ومعابر محافظة حريملاء، العمار بنخيله وأسوارها الجميلة، والمهندس حرب بقصره ومزارعه رحم الله من غابوا عنا، وأسعد منهم بيننا.

وهذه الكلمة الوجيزة ضرب من الوفاء لأبي طلال، ولئن مضى لسبيله فإن ذكراه الجميلة معنا باقية مدى أيام عمري تغمده الله بواسع رحمته وألهم ذويه وأبناءه وبناته وزوجته ومحبيه الصبر والسلوان { إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.

- حريملاء

فاكس: 015260538


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد