من يراقب ما يدور في الساحة اليمنية منذ زمن تصيبه الدهشة والألم، أما الدهشة فلأن هذا الحدث الشنيع، وهذه الحرب الدائرة قد أكملت عامها الخامس دون أن تنتهي، ودون أن يتوقف البغاة حملة السلاح عن فعلهم، والألم لأن هذا يقع بين الإخوة في الدين والدم دون أن يكون لهذا الدم والدين من حرمة أو إجلال. على أن الدهشة تزيد حين نتأمل في خطاب هذه الفئة الذي قامت عليه الحرب؛ إذ هو خطاب لا يقوم على قضية عادلة، ولكنه منذ البدء خطاب شوفيني تعصبي يقوم على التمييز والعنصرية لهذه الفئة المطالبة بحقوق سياسية تميزهم عن عامة الشعب. هذه الفكرة من الأساس لا تتفق مع المعايير الإنسانية أو قيم العدالة الاجتماعية، ولا تبشر برؤية موضوعية منصفة تجاه الذات أو الآخرين. وعلى هذا، فالسؤال، ما الذي يميز هؤلاء عن سائر أبناء الشعب حتى يطالبوا بحقوق خاصة لهم؟ وإذا لم يكن هناك ما يميزهم - ولن يكون- فإن هذه المطالبة جائرة، وكذلك الاستجابة لها لأنها تعني الاعتراف بتميزهم واختلافهم، وهو ما يعطي الشرعية بعد ذلك للمطالبة بالكيان المستقل عن الوطن الأم.
هذا هو المبدأ الأساس الذي ينبغي أن تقابل به كل فئة تنفصل عن الكيان الكلي وتطالب بتمييز عن الآخرين وترفع السلاح لذلك في وجه الدولة، والأمة، والجماعة لأنه لا يمكن مواجهة من يهدد كيان الجماعة ويسعى للقضاء عليها بتفتيتها إلا بالرفض القاطع والحاسم، وإذا كانت السمة التي تدعيها هذه الجماعة مذهبية أو عرقية فإن هذا يصنفها مباشرة في المنظمات الإرهابية التي تسعى إلى إثارة النعرات المذهبية والعرقية والاعتماد عليها لتحقيق مآرب سياسية وليست اجتماعية.
هذا باختصار هي الطريقة التي يمارسها أعداء الأمة للمس بكيانها ولتفتيتها إلى كيانات صغيرة داخل هذا الكيان، ومن هنا فإنه ليس من المعقول أنه في ظل هذه الحالة يأتي من يتحدث عن حقن الدماء، والوقوف عن الدفاع عن وحدة الأمة وسلامتها الداخلية والخارجية، خصوصاً من أولئك الذي يدعون إلى وحدة العالم الإسلامي في كيان سياسي واحد، ذلك أنه كيف يمكن أن يتوحد العالم الإسلامي في ظل وجود من يسعى لهدم الدولة الواحدة وتفتيتها إلى أقسام، أو أن يعطي مواعظ في الإصلاح والسياسة في الوقت الذي يظل فيه هؤلاء صامتين حين كان الحوثيون يقاتلون أفراد الجيش اليمني، ويترصدون لهم، وكأنهم ليسوا مسلمين، أو يحالفون أعداء الأمة ويتخذونهم أصدقاء، أو حين يتسللون لواذا إلى بلد مجاور آمن، فالوقوف أمام هؤلاء المنشقين هو الخطوة الأولى في طريق الوحدة الكبرى التي يدعون إليها. إن الحديث عن الحوثيين على أي وصف سوى أنهم جماعة خارجة عن القانون ترمي إلى تفتيت المؤسسة العربية لأهداف مشبوهة لن تكون في صالح الأمة العربية التي تعاني -من الأساس- تسلطاً من الأعداء الخارجيين وفي ظل احتلال إسرائيل لجزء عزيز على قلوبنا لا يمكن أن يفهم إلا على أنه دفاع عن الخونة، ومناصرة لأعداء الأمة باستغلال الظروف للقضاء عليها، وهو ما لا يمكن أن يقبله أي عربي مسلم. كما أنه لا بد من الوقوف ضد كل هذه المحاولات اليائسة للاضرار بوحدة الأمة وسلامتها واستقرارها مهما كلف الثمن.