Al Jazirah NewsPaper Friday  20/11/2009 G Issue 13567
الجمعة 03 ذو الحجة 1430   العدد  13567
مصطفى محمود... وداعا
محمد بن حمد البشيت

 

لا أدري ماذا أكتب عن (العالم) الراحل الدكتور- مصطفى كمال محمود- الذي ودع دنيانا الفانية قبيل أيام قليلة - رحمه الله - فهو موسوعة علمية ثقافية متعددة المناهل، فتساءلت في قريرة نفسي من أي منهل من هذه المناهل الجمة باستطاعتي الكتابة عنه.. هل أكتب عن (العالم المفكر) حيث كتاباته وكتبه وأبحاثه ومحاضراته كطبيب, أو أكتب عنه ككاتب قاص وروائي وفلسفي, أو أكتب عن برنامجه الشهير (العلم والإيمان) ووجدتني في حيرة الكتابة عن هذه الشخصية العلمية الأدبية التي ستكون مادة بحثية فكرية فلسفية عند ناشدين المعرفة, وقد اجتمعت به كافة الصفات الثقافية الكمالية الثمينة القيمة, فهو القمة والقيمة، رحمه الله.

ولكن لنتذكر.. بعضا من صفات علمه وثقافته المتعددة، حين يطل علينا من خلال برنامجه (العلم والإيمان) وهو يقول- أهلا بيكم- فبكل وقار وهدوء ورزانة وحسن إلقاء وجمال حديث شيق مشبع بالمعرفة الشاملة, يجعل من المستمع يصغي إليه لسماع أشياء مدهشة عن الكون بل عن الحياة الفطرية, فيسرد موضوع حلقته بعرض شيق مصحوبا بالصورة التلفزيونية المتحركة للحياة الفطرية، فيتكلم من منطلقات فكرية علمية نادرة الحصول عليها فلولا تناوله لها بالشرح بأدق التفاصيل لما عرفنا عن أسرارها المبهرة ك- العنكبوت- التي قال عنها (أن العنكبوت بعد العملية الجنسية تأكل الذكر ثم يأكل أولادها بعضهم ومن ثم تأكل بقيتهم ما لم يهربوا.. و- النملة- والحديث الغريب عنها, وغيرها من الحيوانات الفطرية، ولأهمية هذا البرنامج العلمي فقد امتدت حلقاته بحسب ما قيل - أربعمائة حلقة-.

الراحل مصطفى محمود..له من المؤلفات الفكرية والفلسفية, الشيء الكثير, فقد اهتم بالفكر اهتماما عظيما, وكان شغله الشاغل, فقد تفرغ للكتابة والبحوث, وأمضى زهاء عمره للأعمال الفكرية, في عيادته ومعمله وتشريحاته الفكرية والفلسفية وتفرغه التام لها, فكان يكره الوظيفة بعد أن وصفها بالعبودية, وهو يريد الحرية والانطلاق, فكان ثمن حريته وانطلاقته علمه الغزير ما بين الطب والأدب -فأثرت مؤلفاته المكتبة العربية, وكان منها - حوار مع صديقي الملحد- رحلتي من الشك إلى الأيمان- القرآن محاولة لفهم عصري- العنكبوت - شلة الأنس - لماذا رفضت الماركسية - أكذوبة اليسار الإسلامي - المستحيل - الإسلام.. ما هو- الخروج من التابوت- وغيرها من كتبه الفكرية الفلسفية الرائعة.. وإن كنت أستثني كتابا له منها, وهو ذو (معنى فكري فلسفي) وهو الصعب الفهم أحيانا, والمرفوض بالتأكيد جملة وتفصيلا في أحيان كثيرة, ولكنها مرحلة انتهت بقوله (ده ماكنش أكثر من طفولة فكرية في مرحلة الصبا.. الفضول الأول بكل قصور وأنا لا أوافق على كل سطر فيه).. فأتى كتابه المتحول الذي قطع به الشك باليقين. وهو (رحلتي من الشك إلى الإيمان) غفر الله له.

الراحل مصطفى محمود.. كان كثير الاستغفار وطلب الرحمة والمغفرة من خالقه, وقد سمعته بنفسي بمناسبة قديمة.. كان ذلك بمكتب الكاتب الصحفي الراحل/ كمال النجمي. ومن أعمال مصطفى محمود الخيرة.. تشييد جامع وجمعية خيرية، أطلق عليهما مسمى جامع وجمعية مصطفى محمود الخيرية, فالجمعية بعمارته السكنية حيث مقر عيادته, وقد هجرها بعد أن أعيته الشيخوخة والمرض, وتوفي عن عمر ناهز الثامنة والثمانين عاما -رحمه الله.. والجامع على مقربة منها. بميدان مصطفى محمود - الشهير- الموازي لشارع جامعة الدول العربية.. وتواصل عمله الخيري, حين قام بتشييد مراكز طبية علاجية للفقراء, بكشف رمزي يصرف ريعه على صيانة هذه المراكز الإنسانية.. فثواب ذلك كله عند الله الرحمن الرحيم الغفور الذي وسعة رحمته كل شيء، أن الله لا يضيع أجر من أحسن قولا وعملا آمين. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد