Al Jazirah NewsPaper Friday  20/11/2009 G Issue 13567
الجمعة 03 ذو الحجة 1430   العدد  13567
معاملة غير المسلمين في ضوء الإسلام
عبدالمحسن بن سالم باقيس

 

إنّ ما يميز ديننا الإسلامي أنه دين محبة وعدل وإخاء.. فديننا يعلو ويسمو بتحكيم شرع الله عزوجل وإقامة الحدود وتوثيق روابط المعاهدات والمواثيق بين أفراده حكاماً ومحكومين، ولذا تجده جعل لمكارم الأخلاق الحظ الأكبر والنصيب الأوفر في حياة المسلم ليصبح نموذجاً حياً يقتدى به في تطبيق ما جاءت به عقيدتنا الإسلامية الخالدة، والتي استمدت أحكامها من كتاب ربنا عزوجل وسنة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- والتي اتخذت العدل ركناً تشد به المواثيق وتربط به العهود مع الآخرين، لأن الله عزوجل قال: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}. فالعدل مطلب من المطالب الشرعية في حياتنا التي نعيشها ونتعامل بها والله عزوجل أمرنا به وحثنا عليه فجعل محبته ثواباً للعادلين فقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} أي: العادلين.. وعلى هذا الأساس أصبح العدل سمة تميزنا في كل شيء حتى مع غير المسلمين من الكفرة والمشركين قال تعالى: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}، والمتأمل في سيرته عليه الصلاة والسلام يجدها مليئة بالدروس والعبر في تعامله معهم، فلقد اشترى من وثني أغناماً ووزعها على أصحابه، وزار صلى الله عليه وسلم يهودياً في مرض موته ودعاه للإسلام فأسلم، واستقبل وفد نصارى نجران وأسكنهم المسجد لمحاورتهم وبيان دين الله عزوجل لهم.. وصالح المشركين في الحديبية وعقد معهم الصلح والهدنة، وربط ثمامة بن أثال في المسجد فأسلم رضي الله عنه، وأكل طعام اليهود لأن الله سبحانه وتعالى قال: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ}، واستخدم ابن أريقط خريتاً له في الهجرة، ومات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي. فهكذا كان هديه عليه الصلاة والسلام في تعامله مع غير المسلمين حتى إن الإجارة عقد من العقود في الشريعة الإسلامية إذا قام بها أحدهم لزم الباقين الوفاء بها مع المشركين قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ}.. وقال صلى الله عليه وسلم: (لقد أجرنا من أجرتي يأم هانئ)، وأمر سبحانه بحفظ العهود والمواثيق فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} وقال تعالى: {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ}. وإن مما قرره أهل العلم في جواز التعامل مع الكفار ما يلي:

1 - جواز التعامل معهم في البيع والشراء وتبادل المنافع التجارية.

2 - الاستفادة من خبراتهم في الأعمال التي ليس عند المسلمين من يقوم بها.

3 - عقد المعاهدات معهم إذا كان فيه مصلحة للمسلمين.

4 - مكافأتهم إذا أحسنوا إلى المسلمين، وهذا من باب رد الجميل لأنه من أمور المعاملات الدنيوية ويدخل فيه التمثيل الدبلوماسي بين السفارات، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل رسلاً من المشركين ويتفاوض معهم في المسجد، وعلى هذا جراء عمل المسلمين منذ القرون الأولى لرسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وحتى عصرنا هذا والذي نحن فيه بحاجة لنصرته بنشر سنته وإظهارها للأمة بما تحمله من آداب سامية ومعانٍ تتضح فيها الصورة الصحيحة لما عليه أهل الإيمان من هدي نبوي كريم آثاره نراها واضحة بينة، فيما تقوم به هذه البلاد المباركة بلاد الحرمين الشريفين من معاملة طيبة لكل الوافدين إليها من شتى دول العالم، ولاشك إنها جهود مشرقة يشكر عليها حكامنا وولاة أمورنا على ما يقومون به من هذه الرعاية الكريمة والمعاملة الحسنة لكل من وطأت قدماه ثرى هذه البلاد المباركة، وأعني بها: (بلاد التوحيد والسنة) المملكة العربية السعودية، من خدمات أمنية وصحية وتعليمية واجتماعية وما وفرته من تسهيل لمقومات الحياة المعيشية على أرضها الطيبة حتى أصبحت محل أنظار الشعوب في شتى بلاد العالم فأصبح يضرب بها المثل على ما تقوم به من جهود إنسانية، الكل يراها ويشهد بها، وما ذاك إلا لأنها استمدت أحكامها من كتاب ربنا عز وجل وسنة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فحققت بذلك وسطية الإسلام في نشر دين الله عزو جل في جميع أنحاء العالم بالطرق والوسائل الشرعية، وما الدور والجهود التي تقوم بها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد من إرسال الدعاة وإقامة الدورات العلمية وطباعة الكتب والرسائل والفتاوى والنشرات وترجمتها إلى شتى اللغات ثم توزيعها على غير المسلمين وإيصالها إليهم إلا هدف من أهدافها النبيلة حتى عنيت بذلك فقامت بإنشاء المكاتب التعاونية للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في كل منطقة من المناطق، وصورة مشرقة تترجم للعالم عن الدور الإيجابي الذي تقوم به حكومة هذه البلاد المباركة في بيان كيفية التعامل مع غير المسلمين وفق ما جاءت به شريعتنا الإسلامية الخالدة.. وما فتوى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلا نموذج، تبين فيه منهجها الدعوي الأصيل عندما قال في مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (6 - 364): إن من المشروع للمسلم بالنسبة لغير المسلم أمور متعددة منها:

أولاً: الدعوة إلى الله عزوجل بأن يدعوه إلى الله ويبين له حقيقة الإسلام، حيث أمكنه ذلك وحيث كانت لديه البصيرة لأن هذا هو أعظم الإحسان وأهم الإحسان الذي يبديه المسلم إلى مواطنه وإلى من اجتمع بهم من اليهود والنصارى أو غيرهم من المشركين لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) رواه مسلم. وقوله عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر وأمره أن يدعو إلى الإسلام قال: (فوالله لئن يهدي الله بك رجلاً خير لك من حمر النعم) متفق على صحته. وقال عليه الصلاة والسلام: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه....الحديث) رواه مسلم، فدعوته إلى الله وتبليغه للإسلام ونصيحته في ذلك من أهم المهمات وأفضل القربات.

ثانياً: لا يجوز أن يظلمه في نفس ولا في مال ولا في عرض إذا كان ذمياً أو مستأمناً أو معاهداً فإنه يؤدي له الحق فلا يظلمه في ماله لا بالسرقة ولا بالخيانة ولا بالغش، ولا يظلمه في بدنه لا بضرب ولا بغيره لأن كونه معاهداً أو ذمياً في البلد أو مستأمنا يعصمه.

ثالثاً: لا مانع من معاملته في البيع والشراء والتأجير ونحو ذلك فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه اشترى من الكفار عباد الأوثان، واشترى من اليهود وهذه معامله، وقد توفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام اشتراه لأهله.

رابعاً: في السلام لا يبدؤه بالسلام لقوله صلى الله عليه وسلم (لا تبدأ اليهود والنصارى بالسلام) رواه مسلم وقال: (إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم)، فالمسلم لا يبدأ الكافر بالسلام لكن يرد عليه بقوله (وعليكم) وهذا من الحقوق المتعلقة بين المسلم والكافر، ومن ذلك حسن الجوار إذا كان جاراً تحسن إليه ولا تؤذيه في جواره وتتصدق عليه إذا كان فقيراً تهدي إليه وتنصح له فيما ينفعه لأن هذا مما يسبب رغبته في الإسلام ودخوله فيه ولأن الجار له حق قال النبي صلى الله عليه وسلم (مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) متفق على صحته.. وإذا كان الجار كافراً كان له حق الجوار وإذا كان قريباً وهو كافر صار له حقان، حق الجوار وحق القرابة، ومن المشروع للمسلم أن يتصدق على جاره الكافر وغيره من الكفار غير المحاربين من غير الزكاة لقوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} وللحديث الصحيح عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن أمها وفدت عليها بالمدينة في صلح الحديبية وهي مشركة تريد المساعدة فأستاذنت النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك هل تصلها فقال: (صليها)، أما الزكاة فلا مانع من دفعها للمؤلفة قلوبهم من الكفار لقوله عز وجل {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ}.. أما مشاركة الكفار في احتفالاتهم بأعيادهم فليس للمسلم أن يشاركهم في ذلك.(اهـ)

وحقيقة فإنناعندما نتأمل في هذه الفتاوى الشرعية وما عليه علماء الأمة من بينة وأدلة واضحة يدرك أهمية العناية بتوعية شبابنا وتبصيرهم بالرجوع إلى علمائنا والالتفاف حولهم وأخذ العلم عنهم وبيان هذه الأحكام لهم والتي قد تخفى على بعضهم لاسيما في هذه المسائل المهمة والتي حصل فيها اختلال للمفاهيم فزلت فيها الأقدام، فظهرت بعدها الأورام فينزلق فيها من تأثروا بهذه الأفكار الهدامة والمناهج التكفيرية الضالة لأنه مازل من زل إلا عندما أبعدوا شبابنا عن علمائنا وولاة أمورنا بعقد البيعات الخفية والتنظيمات الحزبية بتجمعاتها السرية فحصل بعدها مالا تحمد عقباه من تفجيرات واعتداءات بقتل المعاهدين والمستأمنين وهذا لاشك أنه خلل في معرفة حقيقة الإسلام وما أرشد له نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وأن ريحها ليوجد من من مسيرة أربعين عاماً) رواه البخاري وأخيراً: سئل فضيلة الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله- عن قول بعض الخطباء في نهاية الخطبة اللهم عليك باليهود ومن (هاودهم) إلا يدخل في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لأنه قد هاود اليهود ووادعهم فهل هذا اعتداء في الدعاء؟ فأجاب: نعم هاودهم معناها المصالحة واليهود يجوز الصلح معهم إذا كان فيه مصلحة للمسلمين كما صالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وكما صالح قريشاً في الحديبية الصلح مع الكفار إذا كان من مصلحة المسلمين فإن الكفار يصالحون لأجل مصلحة المسلمين هذا هو الحق (اهـ). أسأل الله أن يحفظ هذه البلاد من كل سوء ومكروه، كما أسأله أن يوفق ولاة أمورنا وحكامنا وأن يغفر لآبائنا وأمهاتنا وجيراننا.





bagis222@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد