Al Jazirah NewsPaper Friday  20/11/2009 G Issue 13567
الجمعة 03 ذو الحجة 1430   العدد  13567
أعمال الملك عبدالعزيز أساس العمل الخيري في الوطن
سعيد بن محمد العماري

 

لا شك في أن العمل الخيري في عهد المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه - كان الأساس الذي قام عليه بناء العمل الخيري في عهود أبنائه البررة من بعده منذ عهد الملك سعود - رحمه الله- حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله- فقد كان الملك عبدالعزيز القدوة التي اقتدى بها كل من جاء بعده، وكان العمل الخيري الذي بدأه النموذج الذي يختصر كثيراً من الجهد والوقت لمن أراد نموذجاً واضح الأهداف متكامل البناء.

وانطلق العمل الخيري في عهد الملك المؤسس من عدة منطلقات على رأسها أن الدولة التي أقامها الملك عبدالعزيز إنما أقامها على أساس من الدين الحنيف، الذي هو دين الرحمة والتعاطف والتكافل لذلك لم يكن غريباً أن يهتم الملك المؤسس بالعمل الخيري، فما كان له أن يأخذ جزءا من الدين فيطبق الحدود، ويعيد للتوحيد صفاءه ونقاءه، ثم يهمل الجوانب الإنسانية الرفيعة، والآداب العالية السامية التي هي من أسس الدين التي لا تنفصل عنه، خاصة وأنه عرف عن الملك عبدالعزيز أنه رجل شمولي النظرة، وقد طبق هذه النظرة الشمولية في كثير من الأسس التي قامت عليها دولته، فطبقها في الاقتصاد والسياسة وغيرهما، فلم يكن مستغرباً أن يطبقها أيضاً في الدين.

كما كان الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- على قناعة بأن الدولة القوية التي خطط لبنائها لا يمكن أن تقوم إلا بالعنصر البشري، ليقينه أن القدرات المادية وحدها مهما توفرت ليس في مقدورها أن تقيم دولة ثابتة الأركان، قوية البنيان، في غياب العنصر البشري المؤهل، الذي لا يمكن تأهيله وهو يعاني الفقر والجوع والعوز وعدم الاستقرار، فكان لابد من معالجة أسباب الفقر والعوز.

ومن هنا نبعت فكرة الهجر التي كانت فكرة عبقرية غير مسبوقة من بنات أفكار الملك عبدالعزيز تؤكد قدراته السياسية والقيادية، وسعة أفقه، واستشرافه للمستقبل، كما تؤكد قدرته على تنفيذ ما يراه صواباً مهما بدا أنه صعب في عيون الآخرين.

لقد كان الملك عبدالعزيز -رحمه الله - الحاكم الأول في شبه الجزيرة العربية الذي تأكد أن البدوي لا يمكن تعليمه وتهذيب تصرفاته، إلا إذا استقر في حياته، ولا نظام في حياة فرد من البشر بدون بيت، وأن البدوي المترجل الذي لا يعرف البيت قد يتحول في لحظة معادياً للحكومة المستقرة في الدولة الحديثة، ومن ثم أقدم الملك عبدالعزيز على فكرة التوطين، مصحوبة بالعزم على استبدال العادات والتقاليد والأعراف البدوية بالشريعة الغراء.

واختلفت فكرة الملك المؤسس عن محاولات من سبقوه فقد كانت فكرة توحيد البدو في عهد السلفيين الأوائل على شكل ديني سياسي دون النظر إلى النواحي الاجتماعية والاقتصادية والمدنية، ومن هنا جاءت فكرة الملك عبدالعزيز آل سعود اجتماعية اقتصادية بالإضافة إلى الفكرة الدينية السياسية، وتجلى ذلك في تأسيسه حركة الإخوان على أسس عسكرية اجتماعية، كانت تهدف إلى توطين البدو، وتحسين أحوالهم الاقتصادية والثقافية.

لقد رأى الملك عبدالعزيز أن البدو هم أكثر قطاعات السكان، وأن حياة البداوة والتنقل تحول دون إيصال الخدمات الضرورية من تعليم وخدمات صحية وغيرها إليهم، فلا بد إذاً من إدماجهم في المجتمع، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا عن طريق التوطين، فكان التوطين هو الخطوة الأولى في سبيل حل مشاكلهم، وخلق ولاء مشترك للحكومة المركزية.

وتحولت الفكرة إلى واقع عندما استقر رأي الملك عبدالعزيز في عام 1330هـ ـ 1921م على توطين أعداد كبيرة من البدو في محلات متناثرة، ومساكن مبسطة، وربطهم بالأرض، وبث روح الاستقرار فيهم وظهرت أول قرية حول آبار الأرطوية (1330 - 1332هـ - 1920 - 1921هـ) إذ إن وجود الهجر يرتبط بوجود البئر، وتم تزويد كل هجرة بمعلم متفقه، يبصر السكان بأحكام الشريعة، ويحثهم على الزراعة، وينهاهم عن الغزو والسلب، واقتضى هذا بناء المسجد ومن ثم بات اعتمادهم على عطايا الدولة.

ومما ساعد على نجاح فكرة الهجر أن الملك عبدالعزيز استطاع أن يقنع رؤساء القبائل بالحضور إلى الرياض، والدراسة في مسجدها الكبير للأمور الدينية على مشايخ أعدهم لهذه الغاية، ليعودوا وينشروا هذه التعاليم الدينية في هجرهم، كما شكل منهم الرئاسة العسكرية، وبذلك استطاع الملك أن يستقطب الجميع لقبول مشروعه الذي كان مشروعاً خيرياً أكثر من أي شيء آخر، فلولا كثرة عطايا الملك المؤسس -طيب الله ثراه- لشيوخ القبائل والبدو ما كان للمشروع أن ينجح.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد