بعد أن تبرع إمام الحرم المكي الشريف فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس ببناء مسجد قرية الريامة بمحافظة النماص على نفقته الخاصة ضمن مشاريعه الخيرية داخل المملكة وخارجها جزاه الله خيراً، وبمساعٍ مشكورة من قِبل الشيخ الدكتور عوض بن حسين الشهري، الذي كان له الفضل بعد الله في السعي إلى إنشاء ذلك المسجد ومتابعة تنفيذه، وبعد أن اكتمل المشروع وسلم المسجد لإدارة الأوقاف بالمحافظة، تم تعيين العم أحمد بن مجري مؤذناً بالمسجد لكفاءته وطراوة صوته والتزامه، وقد حافظ على أداء واجبه نحو المسجد بالشكل الذي يرضي الله سبحانه وتعالى من المواظبة والحرص والاهتمام، ولم يكن مؤذناً فقط وإنما كان خادماً وأميناً مخلصاً على كل ما يتعلق بنظافة المسجد والإشراف عليه وتأمين مستلزماته النثرية والمحافظة عليها، واستمر على ذلك لمدة عشر سنوات حتى دهمته جلطة دماغية، أثرت في صحته العامة وأفقدته جزءاً كبيراً من صوته إلى درجة أنه لم يعد يجيد التحدث إلا بلغة الإشارة مع قليل من الهمهمة غير المفهومة، ومع ذلك أكرمه الله جل وعلا ببقاء صوته صادعاً بالحق فما إن يقف أمام المايكروفون حتى يرتفع صوته عالياً (الله أكبر الله أكبر..) حتى يفرغ من الأذان، بعدها يلوذ بالصمت ولا ينطلق لسانه إلا وقت الإقامة ليتلفظ بها واضحة كالأذان، ومن ثم العودة إلى ما هو عليه من الصمت الإجباري حتى يحين وقت رفع أذان الصلاة التالية!! وبقي مواظباً على أداء الأذان لمدة ثلاث سنوات أخرى دون أي تقصير أو إخلال بواجبه الذي قطعه على نفسه تجاه المسجد، على الرغم من معاناته المرضية التي لم تمنعه من ارتياد المسجد لمواصلة عمله كمؤذن، حتى انه في الآونة الأخيرة كان ينتقل من منزله إلى المسجد على كرسي متحرك ليؤدي ما أُوكل إليه من واجب وما وقر في قلبه من حب لبيت الله، وبعد أن ازدادت حالته سوءاً لم يعد يقوى على أداء مهمته النبيلة التي أحبها وأخلص في أدائها قرابة ربع قرن، حيث نقل إلى العناية المركزة بمستشفى النماص العام، وعندما حانت ساعة الفراق، توفي العم أحمد بن مجري يوم الأربعاء 14-11-1430هـ، وانتقلت روحه إلى بارئها.. رحمة الله عليه وأسكنه فسيح جناته، نحسبه من أولياء الله والله حسيبه، فالعم أحمد قد منحه الله كرامة لا يعدلها شيء، منحه هذه القدرة المستمرة على رفع الأذان والإقامة فقط، دون أن يقوى على التلفظ بأي كلام آخر!! فيا له من فضل كبير لا يهبه الله إلا لعباده الصالحين ولا أزكيه على الله، ولكن هذه الحالة من شواهد الخير التي يشهد عليها جميع المصلين في مسجد الشيخ عبدالرحمن السديس، بقي أن أعلن ما أعلنه العم أحمد بن مجري قبل وفاته بأن الأرض التي بني عليها المسجد قد قام بشرائها ومن ثم تبرع بها للمسجد، ولم يكن يعلم أحد بذلك إلا الشيخ الدكتور عوض بن حسين الشهري، فرحمة الله عليك يا فقيدنا الغالي، وعزاؤنا فيك أن الله سبحانه وتعالى قد أكرمك في الدنيا بترطيب لسانك بصوت الحق وكلمات التوحيد حتى توفاك، أدعو الله العلي القدير أن يكرم نزلك في الآخرة وأن يجعلك في عليين مع الصالحين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً، ووالدينا وأموات المسلمين، (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).
jarman4444@yahoo.com