مواسم الخير في الإسلام كثيرة، يتزود المسلم فيها من الصالحات ويتقرب إليه بالطاعات، فإن أحوج ما يحتاجه الإنسان إلى الحسنات والتزود من التقوى فهي خير الزاد، ومن حكمة الله ورحمته أن خص بعض الأزمان والأماكن بمزية وفضيلة ليست فيما سواها، ومن ذلك هذه الأيام العشر - عشر ذي الحجة - أيام فاضلة ومواسم خير اجتمعت فيها أمهات العبادة من صلاة وصيام وصدقة وأضاحٍ وحج وذكر وتكبير لم تجتمع في غيرها، ومما شُرع في هذا الموسم المبارك فريضة الحج على كل مسلم ومسلمة مرة واحدة في العمر، فتجد الواحد قد استعد لهذه الفريضة كل الاستعداد من بذل الجهد وتكبد السفر ومتاعب التنقل ومكابدة الازدحام في مواقف المشاعر والعبادة، وإنفاق المال، فنسأل الله أن يتقبل من الحجاج حجهم ويعيدهم إلى أهلهم وبلادهم سالمين غانمين.
وهذه الفريضة العظيمة من أعظم العبادات التي يتضح فيها توحيد الله واتباع نبيه - صلى الله عليه وسلم - والاقتداء به، بل إن أبرز قضية جاء الإسلام بتأصيلها في النفوس، وتعزيزها في القلوب هي قضية التوحيد والعناية به والاهتمام بشأنه ونشره حيث إن الحجاج مختلفو الجنسيات والعلم والفقه في الدين ولابد من إعلان هذه القضية بشكل صريح وبلا مواربة، ويظهر تعظيم هذه القضية العظيمة، في عدد من المواقف والصور منها.
أولاً: التلبية بالحج فيشرع للحاج عند إهلاله بالحج أن يرفع صوته ملبيا (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك) فهذا الإعلان وهذا الهتاف الصادق إنما هو توحيد لله عز وجل وإفراد له وحده بالعبادة لا شريك له.
ثانياً: يشرع للمعتمر والحاج بعد الطواف أن يصلي ركعتين يقرأ فيهما بعد الفاتحة بسورتي الإخلاص والكافرون، قال جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما-: (فقرأ فيهما بالتوحيد) صحيح مسلم.
ثالثاً: في صفة حج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لما بدأ بالسعي بين الصفا والمروة صعد الصفا واستقبل القبلة فوحد الله وكبر وقال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).
رابعاً: يشرع للحاج كما ورد في صفة الحج يوم عرفة الإكثار من الدعاء والابتهال إلى الله تعالى وقد ورد في الحديث: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) الترمذي. كما يظهر إعلان التوحيد في كثير من المواقف التي تبدت في صفة حج النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - وذلك لما يمثله من أساس للدين، ومصدر للقبول وعنوان العقيدة الصافية فلا نذر ولا توكل ورغبة ورهبة إلا الله (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) فالله هو المتفرد بالعبادة وحده لا شريك له لا يجوز صرف شيء من أنواع العبادة القلبية والبدنية لغير الله تعالى، لكن المتأمل في أحوال الحجاج اليوم يرى من كثير منهم بعدا عن تقرير التوحيد وتأصيله في قلوبهم، يرى ألوانا من البدع والانحرافات الفكرية والسلوكية، والشركيات الممقوتة، التي تأباها العقيدة الصافية وما أجمل أن تصحح هذه العقائد الفاسدة والشركيات الباطلة.
ما أجمل أن يقوم العلماء والدعاة بصرف جهودهم لتقرير هذه العقيدة الصحيحة مع بيان أحكام الحج، ما أروع أن تصرف الجهود في تعليم الناس أصول الدين وإيضاح حقيقة التوحيد وتحذير المسلمين من الشرك ووسائله وذرائعه واستغلال هذا الموسم العظيم لإيضاح الإسلام النقي عقيدة وأحكاماً وسلوكاً.
بارك الله في الجهود وسدد الخطى ونفع بالعلماء والدعاة المخلصين.
- مدير إدارة الأوقاف والمساجد بعنيزة