يتعجَّب المراقبون الدوليون في النمو والنهضة غير المسبوقين اللذين يكتنفان كل مناحي الحياة في المملكة العربية السعودية، في ظل أزمة طاحنة ترزح تحت وطأتها جميع دول العالم، حتى الكبرى منها، فالكساد وإفلاس البنوك والمصارف الكبرى وانهيار سوق العقار هي سمات لم تحدث حتى في أزمة الكساد الكبير، بُعيد الحرب العالمية الثانية.
في ظل هذه الظروف التي واكبها كذلك تدنٍ في أسعار البترول، سارت المملكة واثقة الخطى في مشاريعها الكبرى، وبذل عليها بسخاء في أكبر الميزانيات التي مرَّت على البلاد. وإذا نظرنا إلى كل ذلك بعين فاحصة وجدنا أن السبب الذي يكمن وراء ذلك هو حكمة القيادة الرشيدة في وضع الخطط والإستراتيجيات البعيدة، التي تعالج المشاكل من جذورها وتضع الحلول الناجعة مع المرونة الكافية للتحرك الطارئ عند الحاجة لتحقيق الأهداف.
لقد وضِعَت إستراتيجيات مدروسة لبناء المدن الصناعية، ولتطوير التعليم العام، ولتطوير التعليم العالي، ولمحاربة الفقر، وكانت النظرة الأولى في كل ذلك، بناء الإنسان السعودي واستنفار كل قواه الكامنة ليخطو بقوة وثبات نحو عصر ستكون فيه المنافسة على أشدها بين جميع الدول لتقديم منتج أساسه المعرفة والإبداع الصناعي.
ومن خلال هذه الخطط والإستراتيجيات وبرؤية خادم الحرمين الشريفين الثاقبة والحكيمة قفزت المملكة من المرتبة السادسة والسبعين (76) عام 2005م، إلى المرتبة الثالثة عشرة (13) في برنامج 10?10 (ممارسة أنشطة الأعمال) الصادر عن البنك الدولي، وهو برنامج يقوّم تنافسية بيئة الاستثمار والأعمال في 183 دولة حول العالم. إن إنشاء المدن الاقتصادية العملاقة أضحى علامة فارقة لهذا العهد الزاهر، وتقف مدينة الملك عبدالله الاقتصادية في رابغ خير مثال للمشروعات الحضارية الطموح، التي تبذل المملكة جهدها لتعبر بها إلى المستقبل، فالمدينة التي تبلغ مساحتها 156 مليون متر مربع وتكلفتها 30 مليار ريال تُعد أكبر مدينة اقتصادية متكاملة في الشرق الأوسط، بل تضاهي كبرى المدن الاقتصادية العالمية.
سعى خادم الحرمين الشريفين بعزم لا يعرف الكلل لبناء مجتمع المعرفة الذي هو تفاعل خلاَّق بين الفكر والعمل والإبداع لتحقيق التنمية، فمجال التعليم العالي شهد قفزة كبيرة فأنشئت ست عشرة جامعة حكومية في عهده الزاهر ليرتفع عدد الجامعات السعودية إلى اثنتين وثلاثين جامعة: أربع وعشرون جامعة حكومية.. وثماني جامعات أهلية ليتاح التعليم الجامعي لكل قادر من أبناء الوطن على اجتياز المراحل ما قبل الجامعية مع فتح أبواب الابتعاث واسعة لجلب الخبرة العالمية في مجال العلوم التقنية والتخصصات الرفيعة.. وكان التتويج لهذه الجهود إلى عالم المعرفة الواسع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية التي قامت تجسيداً لرؤية حكيمة وتحقيق حلم ظل في خاطر خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- سنين طوالاً لأن تعود أرض الرسالة كما كانت منارة الإشعاع للعالم أجمع.