Al Jazirah NewsPaper Tuesday  22/12/2009 G Issue 13599
الثلاثاء 05 محرم 1431   العدد  13599
الحبر الأخضر
برلمان النساء
د. عثمان بن صالح العامر

 

ارتبطت الملهاة بعبادة (ديونوسوس) إله الخمر، وكان الأتباع والمريدون يرددون في أعياد هذا الرب الأغاني المرحة الماجنة، ويتبادلون بينهم الشتائم اللاذعة ويبتكرون النكت البذيئة، ويحملون صوراً مكبرة لعضو الإخصاب، وتطورت الملهاة سريعاً ومن منطق الشتائم والنكت اللاذعة صارت في مرحلة متقدمة تصور المجتمع الاثني وتنقده بنوع من الشتيمة، وتطرح القضايا التي تشغل بال الأثينيين حينذاك، فتارة تنتقد نظام الحكم، وتندد بالمرجعية وتهاجم الحكام والساسة والعلماء، وتارة تدعو إلى تحرير المرأة وضرورة اشتراكها في إدارة الشئون العامة، وتارة تعرض بالنظام التربوي، وكثيراً ما شنت حرباً ضروسا على الدين ورجاله، وقد تمس الأدب بشيء من النقد اللاذع المر. ومع مرور الأيام ارتقت لغة الملهاة وتطورت أطروحاتها وصار لها رسالة في المجتمع فهي من يدعي أنه يحكي حال الناس، ويقرأ نفسية الشعب، وينثر أفكاره بلغة راقية مفهومة، ومن ثم فهو وحده من يملك الحق في الحديث باسمه ونيابة عنه، ولقد بلغت الملهاة القديمة في أثينا أوج عزها على يد رجل يدعى (خيو نديس) الذي عاش في أواخر القرن السادس، ثم تلاه (كراتنوس) (520- 423 ق.م)، والأشهر والأكثر عبقرية وإبداعا (أريستو فانيس) (أمير الملهاة القديمة) الذي لم يترك شأناً من شئون المجتمع، ولا منحى من مناحي الحياة المختلفة إلا تعرض له بالنقد والتعريض، هاجم رجال الدين والساسة ورجال الدولة والحكام الذين هم في نظره (من متملقي الشعب الغافل الذي يسمح لهم بأن يخدعوه)، ولم يقف عند هذا الحد بل تعدى الأفراد إلى المؤسسات والمجالس فانتقد مجلس الشيوخ والجمعية العمومية والمحاكم المختلفة، وأشهر ما كتب مسرحية) برلمان النساء)، وفيها (إن خير وسيلة لإنقاذ الدولة هي أن تتولى النساء أمورها حتى تستقر وتزدهر بعد أن انهارت وآلت إلى الزوال على أيدي رجال أشرار، كانوا يسنون القوانين وهم سكارى ويبرمون المعاهدات اليوم لينقضوها غداً دون أي مبرر، وجعلوا البرلمان مجمعاً للمرتزقة الذين يتقاضون مرتبات ولا يعملون شيئاً). ولقد أثرت أفكار وكتابات أريستو فانيس - حتى ما كان منها بأسماء مستعارة - على أدباء وكتاب أوروبا في عصر النهضة وما بعده ومنهم عبرت إلى بقية بلاد الدنيا ومنها البلاد العربية والإسلامية وقد وصلت إلينا متأخرة وللأسباب عديدة يعلمها جلكم، وهي اليوم أقوى عوداً وأكثر شراسة. هذه باعتقادي أول دعوة لتحرير المرأة برؤية وعيون أثنية وظفت المسرح لإيصال رسالتها التي تؤمن بها، ووصلت في المطالبة إلى أعلى سقف متوقع (المرأة تدير الدولة بدل الرجال)، ولذا فإن من يطالبون بما يطلقون عليه حرية المرأة ويرفعون شعار حماية حقوق النساء، وهم واقفون على أرض غربية هم ممن يأكلون على فتات موائد أولئك القوم علموا بذلك أم لم يعلموا. مع أن الإسلام - الدين الذي يدينون الله به - أعلن حقوقاً واضحة للجنس البشري عموماً، وخص الرجل بدرجة، وحكم بأن الذكر ليس كالأنثى، وفي ذات الوقت ضمن للأنثى حقوقا محددة عجزت القوانين البشرية أن تسن مثلها - قابلة للتطبيق والممارسة إلى قيام الساعة-، ولذا أجدى وأجدر بنا أن نقف على أرض إسلامية صحيحة ونطالب المجتمعات أن تعطي الكل الرجل والمرأة حقوقهم بالعدل والمساواة وأن تكون توجهاتنا تنتظم في عمل مؤسساتي متقن بعيد عن الفردية وبلا إثارة أو تسطيح مع كون المرجعية واضحة والظروف والمعطيات والبيئات حاضرة في الذهن حين التنظير والتطبيق، وإلى لقاء والسلام.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد