Al Jazirah NewsPaper Tuesday  29/12/2009 G Issue 13606
الثلاثاء 12 محرم 1431   العدد  13606
نوافذ
مقامرة
أميمة الخميس

 

وسائل الترويج والإعلانات للمنتج الاستهلاكي تجعلنا نشعر بأننا نعيش وسط تيار هادر ما من سبيل لمقاومته أو الوصول إلى قمة تعصمنا من تلاطم أمواجه.

فأحابيل الفرص وفخاخ الأحلام المتوارية والوعود المختبئة في طيات الغيب، تبرز إما عبر سيارات تحتل واجهات الأسواق التجارية, وعروضات التخفيض التي تمتص نقمة المستهلك وتجعله يمتلك إحساساً مضللاً بأنه فاز بصفقة ناجحة على حين أنه يكون فقط قد قام بمهمة عامل نظافة نظّف للمتجر الأرفف التي تحتشد ببقايا الموسم الماضي، لتحتله بضاعة جديدة مغوية ومغرية ومتلهفة على قضم ما تخبئه الجيوب.

التاجر المغوي الذي يوظّف ويستجير بكل الأدوات التي من الممكن أن تسهم في ترويج بضاعته، فهو يصل إلى أعماق الخوف الفطري لدى البشر من تقلبات الزمن ومستقبل السلالة وعندما تتقافز الوعود أمام أعينهم عن الرواتب التي ستمتد طوال العمر وستكفيهم قلق طلب العيش، يسرعون مهطعين آملين الحصول على ضمانة تقلهم عن شرور تيار الاستهلاك الهادر.

إحدى الصحف وضعت في حملتها الترويجية للاشتراكات جائزة منزل العمر، وهي هنا تتسلّل من خلال أرضية الطموحات والآمال التي تطوّق شعب (بحسب إحصائية أخيرة) 80% من تعداده لا يمتلك بيوتاً خاصة به, ويسكن إما في بيوت العائلة الممتدة أو في بيوت الإيجار.

على الجانب الموازي أيضاً فإن الحملات الترويجية توظّف مناورة نفسية ماكرة، حيث تجعل أصحاب المقتنى السلعي يعيشون في بيوت جميلة ويمتلكون أثاثاً وثيراً، ولهم وجوه تعلوها نضرة النعيم وشعور برَّاقة وأسنان لامعة، زوجات فاتنات، وأبناء أصحاء، وأب حنون وأم ودود وجميع المصائد التي تنظّم برمجة خفية للوعي بأن هذا المقتني المسوّق له يحقق الانتقال إلى هذا المكان النضر والخلاص من وعثاء الواقع وكربه باتجاه تلك المنطقة السحرية الخفية التي لا يجوع فيها ولا يعرى.

ولطالما كانت المرأة وسيلة ممتهنة في هذا السياق، حيث توظيف صورة المرأة بشكل مستفز للغرائز كمخلوق حمال للفتنة مثير بشكل مغو ومستلب لإنسانية النساء وكرامتهن.

اللعبة الاستهلاكية حولنا تجعلنا نشعر بأننا داخل لعبة مقامرة كبرى لا تمل من طروح عروضها وشروط لعبتها اشتر واحدة واربح اثنتين، أو اشتر واحدة وانتظر واشتر واحدة للحصول على حيز في عالم النعيم.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد