بعض من يتولون الإشراف على منابر الشعر في العديد من المطبوعات، ربما لا يملكون ما يؤهلهم من القدرة على الفرز والتمحيص والتمييز بين ما يجب أو ما لا يجب نشره، وربما مُررت على الجاهل منهم بعض الألاعيب الشعرية التي صِيغت لأجل هذا الهدف، وأذكر أن أحد الأعزاء روى لي أنه حينما كان مشرفاً على أحد منابر الشعر أتى إليه من يحمل عدداً من الأوراق التي كتب عليها ما يظن صاحبها أنها شعر جيد، بالرغم من أن ما تضمه لا يعدو كونه مجرد محاولات بسيطة تحتاج لكي تصبح مقبولة الكثير من الجهد والتوجيه والترميم وإعادة التأهيل، وانتهت الزيارة بتوجيه طيب من صاحبنا الذي لم يلبث أن غادر تلك المطبوعة كعادة محرري ومشرفي منابر الشعر!!
والمضحك فعلاً أن الزائر الكريم آنف الذكر عُيّن من قبل صاحب تلك المطبوعة الذي لا يُفرِق بين الشعر والشعير، مشرفاً على ذلك المنبر، وللقارئ العزيز أن يتصوَّر كيف سيكون مصير الشعر، وذلك الرجل الجاهل يقبل ويرفض ويوجّه ويُقدم ويؤخّر ويجيز القصائد، وهو كموجّه يحتاج إلى توجيه؟.. ومن المؤسف حقاً أن عدد أمثاله غير قليل، ولنا أن نتوقع أن يأتي أولئك بالعجب العجاب، كأن نرى بعض ما يظنون أنه شعر، وقد قدم له بمقدمة أطول منه، والكسيح من الأبيات، التي لو قُدِّر ل (الخليل بن أحمد الفراهيدي) أن يطلع عليها لمات كمداً على الجهد الذي بذله، وهو يقطع الأبيات ليصل بالناس إلى سلامة الحس.
أما البعض الآخر فهو من يدرك أن ما يصله من القراء لا يصل إلى الحد الأدنى من الجمال، ومع ذلك يقوم بنشره لأسباب، منها أنه كما يدَّعي لا يريد أن يخسر القارئ، وربما ينتظر من بعض قرائه عائداً ما!!! أما الشعر فليس له أي قيمة تُذكر فسواء تدهور أم انحط.. فهذا ليس من شأنه، فالمهم ماذا كسب؟؟ وهذا عند بعض القراء هو المحرر الطيب الذي لا يرد أحداً.. ويقبل بأي مستوى وينشر الصور، وإن كانت بلباس البحر.
أما القليل من المشرفين والذين يحملون همّ الشعر، ويدركون أنه ليس مجرد جواز سفر إلى تحقيق مطمع أو غاية ما، وعندما يوجّهون قراءهم التوجيه الصحيح منعاً للضحك عليهم، ورغبة في الوصول بهم إلى ما يُسجل لهم، وليس عليهم، فهم المشرفون المعقَّدون والمتسلطون الذين ليس لهم همّ أكبر من محاربة المواهب وقتل الإبداع في مهده، بالرغم من أن ما يرفضونه يجد الترحيب والإشادة ربما في مكان غير بعيد.. إنهم الوحيدون الذين لا يعرفون كيف يكسبون، لأنهم لا يعرفون كيف يكذبون.
fm3456@hotmail.com