Al Jazirah NewsPaper Tuesday  26/01/2010 G Issue 13634
الثلاثاء 11 صفر 1431   العدد  13634
 
أسئلة على حدود القرار الاستثماري
قراءة مبسطة لما يدور في ذهن المستثمر الأجنبي على متن الرحلة قادماً من بلاده
قراءة تحليلية: وليد العبدالهادي *

 

بدأت رحلة الإصلاح الاقتصادي للمملكة منذ 1995م حينها كان الانكماش واضحاً بسبب وصول أسعار النفط إلى 8 دولارات للبرميل بدأت بسياسة (شد الحزام) وصولاً إلى التوسع في الإنفاق العام، ولا يزال يحقق أرقاماً جديدة، وأبرز نتائج البرنامج الإصلاحي انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية 2005م بعد 10 سنوات من المفاوضات الشاقة وتأسيس روافد اقتصادية، منها السوق المالية والعديد من المؤسسات في مجالات متنوعة، ومن النتائج الملموسة للبرنامج تحقيق المملكة رقم 16 عالمياً من حيث الناتج المحلي الإجمالي واستثمارات متوسعة في السندات والذهب، ومعروف أن أهم المزايا التنافسية للسعودية هو الموقع الجغرافي وحجم هائل من الإنتاج والاحتياطيات البترولية وتوسعات في الصناعات الأساسية خلفها سابك وأرامكو مع رافد جديد ومنافس استراتيجي للبتروكيماويات وهو (الثروة المعدنية) توجت بمدينة رأس الزور أسوةً بالجبيل وينبع، كما يضاف إلى هذه المقومات أيضاً رخص تكاليف المشتقات والمواد الأولية ورسوم الطاقة واحتياطي النقد الكبير الخالي من سياسات التخفيف الكمي كما هو في بقية بلدان العالم جعل الاستثمار الأجنبي يطرق الحدود السعودية بشكل نوعي يتضمن نقل التقنية فيه والاستفادة من فرص سانحة في الوقت الذي يعاني العالم من عجز يكتسح معظم أقطاره، من هؤلاء بنوك أجنبية ورواد في خدمات الطاقة والصناعات النفطية والتعدينية والمنتدى يعج بأسماء لامعة حضرت لتتحالف مع الاقتصاد السعودي الذي يستهدف بشجاعة نسبة نمو في الناتج المحلي ضعف معدل النمو السكاني مع تركيز واسع النطاق على البنى التحتية، خصوصاً الموارد البشرية، كما يظهر في تقديرات الموازنة العامة للسنوات الخمس الأخيرة، ولكيلا نطيل دعونا نستعرض ما يخطر في بال المستثمر الأجنبي وهو على متن الرحلة قادماً من بلاده.

نصيب الاقتصاد السعودي من الأزمة المالية العالمية

لم تجد هذه الأزمة من المملكة مكاناً خصباً لنشر أمراضها الاقتصادية والأسباب كثيرة ومن أبرز مسبباتها ضعف الرقابة الحكومية على أسواق المال حيث انتقلت المنتجات التمويلية من الاقتصاد الحقيقي، خصوصاً العقار إلى أسواق المال مغلفة بالمشتقات المالية المتهورة والنتيجة فقاعة وطلب غير حقيقي، وهذا لم يكن سمة الاقتصاد السعودي. والأمر الآخر أن تعقد وتداخل التشريعات والأنظمة المالية في الاقتصاديات المتقدمة سمح لتسلل صناع الأسواق عبر ثغرات قانونية خلت من الحراس وهذا غير متطابق مع ما يحدث لدينا؛ لأن (الاقتصاد ناشئ)، ومن الأسباب أيضاً خلو الاقتصاد العالمي من الكوابح المالية مثل أسعار الفائدة والسياسات النقدية الصارمة التي افتقدت منذ 2001م، إضافة إلى ضغوط عجز الموازنات الحكومية والتجارية في العديد من الدول باستثناء المملكة ومن حسن حظها أنها لم تأخذ نصيبها على مستوى الاقتصاد الكلي خصوصاً.

السياسة المالية والنقدية بعيون المستثمر الأجنبي

مؤسسة النقد (ساما) قامت بخفض معدلات إعادة الشراء عدة مرات من 5.5% منتصف 2008م إلى 2% في إبريل 2009م وخفض معدل عائد اتفاقيات إعادة الشراء المعاكس من 2% إلى 0.25% وأدى ذلك إلى انخفاض معدل الفائدة بين المصارف SIBOR أيضاً نسبة الاحتياطي خفضت من 13% إلى 7% تزامن ذلك مع إنشاء ودائع زمنية لمدد طويلة نيابة عن المؤسسات الحكومية بالريال والدولار مع البنوك المحلية، أيضاً قامت المؤسسة بمقايضة للنقد الأجنبي مع المصارف لتوفير سيولة بالدولار وخفض تسعيرة أذونات الخزينة بخمسين نقطة أساس عن معدل فائدة الإقراض بين المصارف وهي سياسات منسجمة وعامل التوقيت مع نوع وكم السيولة يبدو مريحاً للاستثمار البعيد الأمد، أما السياسة المالية فقد أعلنت وزارة المالية عن أكبر إنفاق في تاريخها يمتد إلى 2012م ويبلغ 400 مليار دولار.

قطاع التأمين.. تشبع السوق والاحتكار ليسا من شيمه

نال هذا القطاع اهتمام الاقتصاد السعودي ودخل في فترة حضانة فعلية منذ 2003م عندما تم إصدار نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني من قبل (ساما)، ولا يزال القطاع حتى الآن في أحضان المشرعين، ولكي لا نبحر في سرد الأحداث دعونا نركز على محفزات المستثمر الأجنبي في القطاع، وأبرزها أن التأمين نما إجمالي الأقساط المكتتبة من 2006م إلى 2009م بنسق نمو جيد (57%) على الرغم من حداثته ويبلغ إجمالي الأقساط حتى الآن (10.9 مليار ريال) ونسبتها إلى الناتج المحلي الحقيقي الإجمالي تمثل (0.7%)، ومعروف أن معظم اقتصاديات في العالم تستهدف أن يساهم 5% من الناتج المحلي، ولا سيما أن النمو السكاني ونمو الإنفاق الحكومي يدعمه بشكل كبير؛ لذلك يمكننا القول إن القطاع لا يتسم بعمق السوق، أما بالنسبة لعامل الجذب الآخر هو كثافة السوق أي معدل إنفاق الفرد على التأمين (نسبة إجمالي الأقساط إلى عدد السكان) وتبلغ 440 ريالاً على مستوى الأفراد والشركات وتظهر النسبة أن السوق بإمكانه استيعاب منافسة تامة وفوية.

سوق الأسهم والسندات وفلك الدورة الاقتصادية

نبدأ الحديث هنا بالأكبر سناً (سوق الأسهم) حيث يعيش موسماً زراعياً لحصاد يطول انتظاره خلال العقد القادم، بدأت فترة الحضانة منذ تسجيل قاع (4.068 نقطة) مارس الماضي حينها كانت الأسعار تعانق قيمها الدفترية وبمكرر ربحية 9 مرات يوازي أرقام 2002م سبقت هذه الأحداث سلسلة من عمليات إعادة الهيكلة للأنظمة واستحداث جديدة كالتجزئة وعرض قوائم الملاك والحوكمة ومبادلات الاستثمار الأجنبي وغيرها، وهو يعود (المؤشر العام) كما هو موضح بالرسم البياني، إلى قواعده التي انطلق منها مطلع 2003م، ولأول مرة تنخفض القيمة السوقية للشركات المدرجة دون الناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى 1.2 تريليون ريال والناتج المحلي عند (1.3 ترليون ريال)، طبعاً هذه سمة من سمات السوق الاستثماري، إضافة إلى نمو عدد الشركات المدرجة والجديدة من 68 إلى 134 شركة بنمو 92% وإذا ألقينا نظرة على الرسم البياني الذي يوضح علاقة حركة المؤشر العام مع أسعار الفائدة منذ 1985م وهي السنة التي أنشئ فيها سوق الأسهم نجد أنها وصلت إلى قاع صفري بمقاييس البنوك المركزية عند 0.25% بعد أن كانت 8.5% ونلفت إلى أنه في 2007م حدث خفض مفاجئ لأسعار الفائدة على الريال السعودي كان السوق حينها يتحرك في منطقة 8000 نقطة عقبها حركة هبوط حادة بسبب ارتفاع عامل المخاطرة في السوق من حيث المواصفات والمقاييس الاستثمارية، أما بشأن أسعار النفط فيظهر أنها كانت ذات علاقة ارتباط طردية وقوية مع المؤشر العام، كما يظهر من الرسم البياني بداية من 2000م وحتى الآن، وبعد قمة فبراير الشهيرة (20.600 نقطة) سجل قاعه عند (4.068 نقطة) مسبوقة بقاع لخام نايمكس عند 33 دولاراً للبرميل، ويظهر من الرسم البياني أن حركة أسواق النفط كانت أسرع من المؤشر ليس عيباً فيه بل بسبب تأخر القطاع المصرفي بمواكبة الصعود للقيم العادلة نتيجة تعثراته وأزماته الائتمانية، ويبين الجدول الخاص بأعداد عملاء تداول أن السوق لا يزال يحتفظ بعملائه ومحافظهم غير نشطة، كما كان معهوداً في السابق؛ لأن المراكز الشرائية معظمها قديمة ومعدل مساهمة المتداول في القيمة السوقية يبلغ (305 آلاف ريال)، وفي المجمل يمكن القول إن سوق الأسهم في فترة حضانة تماماً، كما هو الحال في سوق السندات والصكوك التي لا يتجاوز عددها المتداول 5 صكوك بأحجام تداول ضعيفة جداً وسماته الحالية تدل على قرب رواج نظيره (سوق الأسهم).

الإنفاق الحكومي حليف استراتيجي للقطاع الخاص

قبل الحديث في هذا الشأن كمؤشر جاذب للسيولة الأجنبية دعونا نلقي نظرة سريعة على الرسم البياني ويظهر فيه منذ 2000م أنه كلما زاد الإنفاق ترجم ذلك بنمو للناتج المحلي للقطاع الخاص، ومع تفوق القطاع غير النفطي وارتفاع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي للبلد بنسبة 48% وفق أرقام 2009م مع صعود تاريخي في معدلات الإنفاق حيث رصدت 400 مليار دولار في الخطة الخمسية و540 مليار ريال في 2010م إذن هناك فرص إشباع لحاجات ورغبات مطروحة في السوق السعودي وعقود حكومية محظوظ من يظفر بها، خصوصاً أنه تم رصد 260 ملياراً لمشاريع جديدة تمثل 3 أضعاف ما اعتمد العام الماضي.

فحص هوية الودائع وموقف عرض النقود منها

يوضح الرسم البياني أن نسبة الودائع إلى عرض النقود في نمو مستمر منذ السنوات السبع الأخيرة على الرغم من توجهها إلى سوق الأسهم إلا انها استمرت بنفس نسق النمو ومع أحداث الأزمة المالية العالمية حققت أعلى نسبة نمو في 2009م بنسبة 93% إلى عرض النقود، وهذا يمكن أن نعزوه إلى عدة أسباب، أولاً تحفظ في الإقراض وترقب في الاستثمار يحيط سوق الأسهم ويظهر في نشرات (ساما) الربعية والشهرية للنصف الثاني من العام الماضي بأن الودائع الادخارية لم تحظَ بزخم بسبب أسعار الفائدة الصفرية بل نمت الودائع تحت الطلب بشكل هائل وهي متكدسة بين البنوك والنقد المتداول في السوق، يدل ذلك على إمكانية امتصاص أي طلب حقيقي قد يطرح من شركات أجنبية مقيمة وغير مقيمة أو محلية، خصوصاً في قطاع التشييد وقطاع الإسكان والتمويل العقاري والتجزئة، وهنا تأتي مهمة القطاع المصرفي حيث مرشح لرفع رؤوس أمواله مع نمو 24% في الاحتياطيات وتجاوزها 56% من حجم رأس المال المجمع لها، وعرض النقود الذي وصل إلى 1.023 مليار ريال في أعلى مستوى له منذ 2001م لا يشكو من سياسة التخفيف الكمي وضخ النقود لتنفيذ خطط إنقاذ كما حصل في معظم الاقتصاديات العالمية بل ناتج من نمو دخل الدولة وضيق القنوات الاستثمارية.

الاحتفاظ بمستوى دين عام مقبول في سبيل الإنفاق

الأرقام الموضحة في الجدول تقيس العلاقة بين الناتج المحلي من جهة والدين العام والإنفاق الحكومي من جهة أخرى للفترة (2004 - 2009 م) ويظهر منها سياسة ناجحة في عدم الرغبة المتسرعة في شطب وتسديد الدين العام نهائياً في سبيل سير عجلة الإنفاق العام إلا أن ذلك لم يؤثر في الناتج المحلي بل استمر في نمو على الرغم من الانكماش العالمي، وهي إشارة لمجتمع الاستثمار، خصوصاً المستثمر الأجنبي لتأسيس مشاريع طويلة ومتوسطة المدى.

السنة إجمالي الناتج المحلي

الحقيقي مليار ريال نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي

الحقيقي الإجمالي% المصروفات العامة الفعلية - مليار ريال

م2004 938.8 65.00% 285.2

م2005 1182.5 38.90% 346.5

م2006 1335.6 27.30% 393.3

م2007 1439.5 18.50% 466.2

م2008 1.758.00 13.40% 520.1

م2009 1.384.00 16.00% 550.00

شبح التضخم حاضر في ذهن المستثمر الأجنبي

نقصد هنا في هذا الحديث (التضخم المحلي) الذي يقبع عند 4.4% ويوضح الجدول المرفق أن نمو الواردات السلعية، خصوصاً النفطية ساهم في تحقيق أرقام تاريخية في معدلات التضخم وصولاً إلى 9.9% كمتوسط لعام 2008م، لكن على الرغم من تراجع حجم الواردات بشكل ملحوظ قياساً بالعام الماضي بسبب هبوط أسعار النفط وتدني الاستهلاك العالمي والمحلي وتوقف العديد من المشاريع التجارية والصناعية، سيعود التضخم مجدداً للصعود مع نمو الاقتصاديات الناشئة وتحسن في التقدمة، وهنا يصبح مستوى العائد المقبول مقارنة بأسعار الفائدة والتضخم هو أبرز هموم المستثمرين الأجانب.

توطين الوظائف والاستثمار الأجنبي

بالرغم من أن مشروعات الاستثمار الأجنبي المباشر وظفت حتى نهاية عام 2008 حوالي 97 ألف موظف يمثلون ما نسبته 29% من إجمالي العاملين بهذه المشروعات إلا أن معدلات البطالة المحلية كانت المهمة الأصعب في العقد الماضي ولا تزال حيث لم تنخفض كثيراً على الرغم من نمو الإنفاق العام بشكل مطرد إلا أن ذلك أعاق من تدشين وتأسيس مشاريع إنتاجية حيوية في قطاع الإعلام والتدريب والتأمين وغيرها من القطاعات الفتية، وأضاف تكلفة تحتوي أرقاماً صعبة في رصد موازنات أي مشروع لمستثمر أجنبي وهي أحد أبرز الضغوط التي يواجهها في سبيل السعودة والتوطين.

* محلل أسواق المال



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد