لم تعتد مغادرة البيت أبداً، والآن ها هو البيت خال فارغ إلا من الصمت..
يقوم يرتب الأشياء بالطريقة التي ترتبها هي بها، كل شيء في البيت تماماً كما تريده بالضبط، لكنها ليست هنا لتشع بإطلالتها وتزين هذا الصمت بضجيجها وعباراتها وأحياناً بغنائها وهي تقلد الصوت الفيروزي الساحر.
يخيل له أن الأشياء والأمكنة التي اعتادها تكتظ حتى بالوحدة والفراغ لفقدانها، كما لو أن كل شيء دون معنى.
ينظر من النافذة فيرى البيوت والأبنية تماماً بذات الحركة اليومية وذات الصخب والحياة فيكره الأمكنة والأبنية والعمارات لأنها ليست حزينة مثله.
وعندما تنساب أشعة الشمس على وجهه عبر النافذة يتذكرها واقفة إلى جانبه وهي تسلم وجهها للشمس مثله وتهتف:
يا الله ما أجمل الحياة
فيردد وراءها:
نعم.. ما أجمل الحياة
أما الآن فها هو هنا وحيداً لأن ملاك الموت أبى إلا أن يأخذها تاركاً إياه لحزنه ووحدته.
يتذكر معاناتهما لما مرضت وعندما يشعر بالغضب يغزوه حتى مخ العظيم من الحياة والعالم وكل شيء يسمع صوت الصغير عائداً من المدرسة وهو يصيح كعادته.
بابا أخذت عشرة على عشرة
فيعتمر قلبه ثانية بالرغبة بالحياة لأن ملامحها ورائحتها وحتى طريقة ضحكها ستتسع ثانية على وجه ولده سعد.