ظهرت على الساحة الإعلامية مؤخراً عدد من المصطلحات الفكرية التي أخذت طابع الحوار أساساً لها في نشر ثقافتها الفكرية. ولا يخفي ما يترتب على تلك المنابر الحوارية من مهاترات وتعد لحدود الحوار المنضبط إلى تناول الذات بألفاظ لا تليق بالمسلم فما الدافع لظهور هذه المصطلحات الفكرية التي فرقت المجتمع وجعلته أحزاباً، وشغلت حيزاً كبيراً من صحافتنا الأدبية ووسائلنا الإعلامية مع أنه يمكن استبدال هذه المهاترات الكلامية بما هو مفيد وأنفع للفرد والمجتمع.
لقد أصبح هم بعض كتابنا التفتيش عن الذات ووصفها بصفات مختلفة بعيدة كل البعد عن الهوية الأصلية التي تجمعنا وهي الهوية الإسلامية. فالإسلام يمقت العصبية أياً كان نوعها سلباً وإيجاباً وما نقرؤه ونسمعه اليوم فيما ينشر في الصحافة على وجه الخصوص ما هو إلا نوع من هذه العصبية التي نهى الإسلام عنها ألا يكفينا فخراً أنا أمة مسلمة؟ وألا يكفي هذه البلاد فخراً أنها بلد عربي مسلم وكل مواطن ينتسب إليها هو كذلك. وكل مواطن عليه واجب الولاء والطاعة لولاة أمره ومحبة وطنه والالتفاف حول علمائه والاعتراف بالفضل لهم بعد فضل الله عز وجل.
فما الذي يدعو طائفة من الناس أن تصنف الآخرين إلى عدة مسميات ومصطلحات ما أنزل الله بها من سلطان؟
لا طائل تحتها سوى الفرقة والعداوة وشحن الصدور والإساءة لهذا البلد الكريم الذي أعزه الله بالإسلام وجعله مهبط الوحي منه شع نور الإسلام وإليه تأوي الأفئدة من كل مكان وفيه قبلة المسلمين وشرفه الله بخدمة الحرمين الشريفين أليست هذه نعمة تستحق الشكر؟ وفوق ذلك قيض الله لهذه البلاد ولاة أمر بذلوا الغالي والنفيس في سبيل خدمة الإسلام والمسلمين وفقهم الله وجعل ما قدموا في موازين حسناتهم.
أخي المسلم أخي الحبيب. دع عنك تلك المصطلحات البغيضة فكل مسلم هو إسلامي وكل مسلم هو متدين يعني يدين بدين الإسلام وما يوجد اليوم في المجتمع من تحزب وتكتل ما هو إلا بسبب هذه المصطلحات التي تعج بها الصحف بين فترة وأخرى، فالمسلمون سواسية كأسنان المشط لا فريق بين عربي ولا أعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.
لقد كشفت كثير من القضايا المعاصرة هذه الظاهرة حتى انقسم المجتمع إلى فريقين بل وأكثر أحياناً بسبب النقد من جهة والتأييد من جهة أخرى وكل فريق له أتباع. ألا يشكل هذا خطراً على المجتمع؟
حينما تنتابه الأهواء من كل جانب ويكون لحرية الرأي والتفكير الحق في التصنيف كيفما شاءت. من المسؤول عن هذه الظاهرة التي بدأت تنخر في المجتمع وتجعله أحزاباً؟
إن من واجب العلماء التنبيه على خطورة هذا المسلك. وبيان عواقبه الوخيمة في المستقبل، وهذا لا يعني إغلاق الخلاف في الرأي، ولا إغلاق باب الحوار، وإنما إغلاق الأوصاف التي لا مستند لها إلا الهوى {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) وغير ذلك من النصوص الشرعية التي تذم الهوى لما يترتب عليه من المفاسد لعل القارئ الكريم فهم ما أعنيه من المصطلحات الفكرية بعد هذا العرض مما يغني عن التصريح بها، وهذا واضح من خلال ما تطالعنا به الصحف اليومية من الموضوعات التي لا تخلو من المد والجزر بين أبناء المسلمين التي تولد البلبلة والفوضى. وإذا فتشت عن هاتين الفئتين وجدت كلاً منهما لا تخرج عن كونها عربية مسلمة تدين بالولاء والطاعة وهذا يكفي. ولا حاجة لما سوى ذلك من المهاترات الكلامية التي استولت على أفكار أبنائنا وبناتنا دون جدوى. ألا يمكن إيقاف هذا النزيف الخطر على مجتمعنا.
وأذكر على سبيل المثال لا الحصر من هذه المصطلحات ما تقرؤه في الصحف عن وصف (المتشردين - التغريبيين - المتدينين - اللبراليين - الإسلاميين - الرويبضة) وهكذا.
فاللهم سلم سلم واحفظ بلادنا وولاة أمرنا وعلماءنا وكل مسلم ومسلمة من كل سوء ومكروه.
- المعهد العالي للقضاء