Al Jazirah NewsPaper Friday  26/02/2010 G Issue 13665
الجمعة 12 ربيع الأول 1431   العدد  13665
 
نوازع
تغييرات ونيات
د. محمد بن عبد الرحمن البشر

 

تغيرات كثيرة وكبيرة، طرأت في فترة جيل من قارب الستين. لقد شهد هذا الجيل ركوب الإفريقي الأمريكي مع الأمريكي الأبيض في حافلة واحدة، وتناولهم الطعام في مطعم واحد بعد أن كان ذلك غير متاح، وشهد هذا الجيل تنامي القوة الأمريكية والسوفيتية على حساب أوروبا، وشهد تفكك الاتحاد السوفيتي وتحرر الجمهوريات الإسلامية وغير الإسلامية لتنتهي حقبة الحرب الباردة، وتنفرد الولايات المتحدة الأمريكية كقوة ليس لها منافس، وشهد هذا الجيل أيضاً تسارع الدول التي كانت تتغنى بالشيوعية والاشتراكية إلى تغيير ثوبها ولبس ثوب الديمقراطية عند البعض، أو الجمهوريات الملكية عند البعض الآخر، وكذلك تغير كبير في مسلكها الاقتصادي بتبني سياسة السوق المفتوح الذي كان مغلقاً.

وشهد هذا الجيل ظهور الصين كقوة اقتصادية كبيرة تسير رويدا رويدا بخطى ثابتة ربما لتكون في المقدمة بعد فترة يسيرة، وأيضاً شهدها كقوة عسكرية تحاول إعادة هيكلتها بالاعتماد على التقنية بدلا من الاعتماد على المشاة، ولكن بخطوات أقل سرعة من تسارعها الاقتصادي، كما أنه لم يشهد لها نمو في تأثيرها السياسي العالمي يتناسب مع تنامي قوتها الاقتصادية. ولعل ذلك عائد إلى حذرها من الوقوع في منزلق يحول دون استمرارها في النمو الاقتصادي التصاعدي إضافة إلى ثقافة الشعب الصيني الذي لا يحب التنازع مع غيره خارج أرضه، فتاريخ الصين القديم شهد غزاة من الخارج استطاعوا الولوج إلى الأرض الصينية، لكن التاريخ لم يسجل لنا أن الصين قامت بمغامرات لغزو دول قريبة أو بعيدة. ومع انخفاض الأثر الروسي في السياسة العالمية إلا أن الصين لم تسابق الزمن في محاولة الإحلال محله، مستغلة نموها الاقتصادي وشغف بعض الدول للتعلق بأي حبل يتدلى خوفاً من الغرق في أعماق اليم.

شهد هذا الجيل وحدة اقتصادية أوروبية، ووحدة نقدية، وتكاملاً سياسياً، وتفاهماً اجتماعياً، وتعاوناً دوليا جعلها تضع لنفسها مكاناً في الخريطة العالمية، وساعدت على حماية نفسها من الاضمحلال الفردي أمام القوى الاقتصادية القديمة والناشئة، كما أنها حفظت لنفسها تأثيراً في المسيرة السياسية العالمية لتخدم مصالحها، وتحافظ على أيدلوجياتها، وتستمر في النمو بدرجات أبطأ من غيرها.

وشهد هذا الجيل طفرات تقنية متلاحقة تمت على يد الغرب ممثلا في أمريكا الشمالية وأوروبا والشرق بما فيه استراليا، فأصبح التواصل متيسراً من خلال عدد أكبر من الطائرات والسيارات، وظهور الفاكس الهاتف النقال والقنوات الفضائية، والحاسب الآلي والإنترنت. وأحدثت هذه التغيرات تنقلات متسارعة في فهم وإدراك هذا الجيل، كما أنها جعلت البعض يسابق الزمن لمعرفة استخدامها للاستفادة منها قدر المستطاع.

وشهد هذا الجيل تطوراً في الخدمات الصحية فأضحى قادراً على علاج قلبه إلا من الحب ورأسه إلا من الحقد وسائر جسده مستفيداً من التقنية ومهارة الأطباء، فزاد معدل العمر للرجال والنساء على السواء وكان للغرب والشرق الفضل الأكبر في توفير هذه الخدمات المفيدة للبشرية، وشهد هذا الجيل تنوعاً في الخدمات الأخرى فتوفرت الكهرباء وتوفر الماء بكميات كافية، واستطاع توفير درجات حرارة ملائمة داخل المنازل بفضل التبريد والتدفئة، وكان للغرب والشرق اليد الطولى في ذلك.

والآن فإن هذا الجيل ما زال ينتظر أن يشهد مجرد تعاون بين الدول الإفريقية حتى تتجنب الاقتتال وتوفر الحد الأدنى من العيش. كما أن هذا الجيل ما زال ينتظر من العالم العربي درجة من التوافق في المواقف لعله من خلالها ينال بعض حقوقه ويحافظ على شخصيته ويحمي ثقافته، أما المشاركات في التقنية والابتكار والإبداع فهذا أمر يبدو أنه متروك لأجيال قادمة لا يعلم منتهاها إلا خالقها، وستبقى تحلم بمجرد التوافق، فأحلام اليقظة جميلة كجمال الطبيعة ترتاح لها القلوب، مع خلو الجيوب، ويتم السعد في المنام والناس قيام والشكوى لرب الأنام.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد