Al Jazirah NewsPaper Friday  26/02/2010 G Issue 13665
الجمعة 12 ربيع الأول 1431   العدد  13665
 
مقرر الفقه للطالبات وإشكالية كاتبة بخصوصه!
د. عبدالعزيز بن عبداللطيف آل الشيخ

 

إشكالية الكاتبة حصة بنت محمد آل الشيخ في مقالتها في صحيفة الوطن يوم السبت 8 صفر 1431هـ، إشكالية منطقية وعقلانية ومنهجية، أي ثلاثية في أبعادها، فمن ناحية بدأت بما ورد في منهج الفقه للصف الثاني ثانوي

للبنات طبعة 1429هـ، كما ذكرت، فيما يتعلق باختلاط الجنسين، وتنطلق من النص إلى الربط المنطقي بين ظاهرتي الاختلاط والعلاقة غير المشروعة. وتنحصر المسألة العقلانية في أن مناقشة النص، الذي أوردته، من الصعب أن تكون بهذه العجالة والمرور العابر. وما صنعت «يتجاوز مرور الكرام» إلى «تسطيح» لا يشفي الغليل ولا يضع النقاط على الحروف، إذ إن ما يتعلق بالموضوع يطول الحديث حوله في النصوص من الكتاب والسنة وأقوال العلماء، الفقهاء منهم والمحدثون والمفسرون، من الناحية الشرعية، وما يتعلق بالظاهرة اجتماعياً وحضارياً وثقافياً.

أما الناحية المنهجية فلا يمكن أن يناقش موضوعاً مثل هذا في مقال صحفي مقتضب إذ أمضى العلماء فيه سني حياتهم وألفوا فيه الكتب والرسائل عبر مئات السنين ولا يزال الباب مفتوحاً أمام طلبة العلم من كتاب الرسائل العلمية في برامج الدراسات العليا لأن يبحثوا فيه الكثير لمعرفة الأبعاد التي أشارت إليها من الحكمة وراء التشريع الإسلامي في هذه المسألة حصراً وما يرتبط بها من أمور اجتماعية ونفسية وحضارية وثقافية، إذ إن هذا الأمر، الاختلاط بين الجنسين، وما ينتج عنه من علاقات غير مشروعة وما يترتب عليها من نتائج هي شغل الباحثين في أنحاء المعمورة «أغرباً اتجهنا أم شرقاً». أليس الغرب يشكو من المشكلات الصحية والخسائر المادية المترتبة على العلاقات غير المشروعة بين الجنسين؟، أليست بيوت تقوض وأسر توأد نتاج الإباحية؟، ومع ذلك يستهين دعاة الاختلاط بما يترتب عليه من مفاسد، ويقولون إن الفساد يمكن أن يحصل بغض النظر عن درجة المحافظة مجتمعياً. وربي إن ذلك يخالف المنطق، فكأني بمن يقول ذلك ينطبق عليه قول الشاعر: «ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء». أليس احتمال «الإيذاء» للمرأة من جراء الاختلاط أكثر بكثير من منفعتها منه، يقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا). قل لي بربك، قارئي الكريم، كيف نتعامل مع نص محكم مثل هذا؟ لقد عجز منظرو العالم، في شرقه وغربه، عن وضع الضوابط ولقد تصدت لها الشرائع السماوية من آدم عليه السلام إلى خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. أما المجتمعات فذهبت ضحية للفساد الأخلاقي عندما نسفت تعاليم الدين نكراناً وتحريفاً وتأويلاً وتشويهاً ورفضاً. ولم يكن لدى المجتمعات بدائل أفضل، فلا يمكن لأنظمة البشر ولا قوانينه الموضوعة أن تحل محل شرع خالق البشر، العالم بأحوالهم وما في نفوسهم. لقد تخبط الغرب، ولا يزال، في وضع بديل للزواج «المشروع» وجاء بأنظمة اجتماعية، بل جاء بهمجية، أقل ما يقال عنها إنها غريبة، وهي في الواقع منافية للفطرة وللذوق وللحد الأدنى من الطبيعة البشرية. نعلم أن العقل البشري يتفتق ويأتي بابتكارات وصناعات مادية، عبر العصور، ومع ذلك أثبت الإنسان عجزه فيما يتعلق بالنواحي الاجتماعية والنفسية والروحية والفكرية وتصدت لذلك الشرائع السماوية، وحياً منزلاً على الأنبياء والرسل عليهم أفضل الصلاة والسلام.

نعلم أنه من جراء الاختلاط ومن ثم الإباحية تعظم فرص هتك الأعراض، ونعلم جميعاً وتعلم الكاتبة، ما يترتب على ذلك من أضرار تلحق بالمرأة وبالأسرة والمجتمع. عندما نقول إن المنهج الذي اتبعته الكاتبة غير صحيح يعود إلى رفضها لأمور، فلا بد أن يقابل ذلك تعليل للرفض ومن ثم اقتراح للبديل، لا أن يكون البديل مضمناً في المقال ثم يترك للقارئ أن ينتزعه انتزاعاً أو أن يستنتجه استنتاجاً، حيث إن ذلك يخالف المنهج العلمي. وإن قيل إن الأمر لم يتم تناوله من ناحية علمية، فنقول: إن طبيعة الموضوع تفرض أن يتصدى له بطريقة علمية، بل قد نستدرك ونقول: إنه ليس ثمة شيء في عالمنا اليوم يمكن أن يطرح إلا بطريقة عقلانية وبمنهجية علمية وبأسلوب منطقي، وما عدا ذلك فلن يكون إلا «هذرا»، إن كان لا يقوم على حجة وبرهان. لقد تعلمنا من الأسلوب القرآني الكثير، ومن ذلك المطالبة بالبرهان: (وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ). هنالك تقارير تصدر من منظمات دولية أثبتت انخفاض مرض الإيدز في بعض المجتمعات، وفي مقدمتها مجتمعنا، ما السبب؟: محافظة المجتمع، هل ثمة سبب آخر؟، المرض يفتك بالمجتمعات شرقاً وغرباً، ومن أسبابه الرئيسة: الانحلالية والإباحية وفصل الدين عن المجتمع وحصره في مسائل شخصية والتقليل من شأنه واعتباره «مقيداً». لقد تألقت المجتمعات الإسلامية في عصر الازدهار الإسلامي وفرضت الحضارة الإسلامية نفسها على شعوب العالم ودخل الناس، بفضل الله، في دينه أفواجاً. نجد في ثنايا المقال ما نصه: «ومع أن الأسئلة الموضوعية مهمتها إبداء الرأي بحرية وانتقاء، إلا أن العقل معتقل، ولا تقبل حجيته في بيئة ما زالت تجعله مقابل آراء الفقهاء السابقين، منذ آلاف السنين، تابعاً لا مفكراً ولا مستحدثاً، على الرغم من القاعدة الفقهية المرددة عبثاً «تتغير الفتيا باختلاف الزمان والمكان» والرد على هذا يطول ولكنني اخترت المقتبس كأنموذج لما في المقالة من كلمات تحتاج إلى بحوث من متخصصين وبارعين في الرد، لا أدعي أنني منهم.

فإذا كان لدى غير المتخصصين في الأمور الشرعية من تساؤلات، فما عليهم إلا أن يسألوا أهل الذكر، أولئك الذين يذكرون الناس بأوامر الله ونواهيه، وهذا أمر طبيعي ومتوقع. وغير الطبيعي أن يكون لدينا إشكالية في أمر شرعي مع علمنا بالحكم في ذلك ثم نعترض على ما ورد من الأمور الشرعية، ومن يفعل ذلك فهو في حقيقة الأمر لا يعارض الناقل ولكنه يعارض المنقول، وهذا والله على جانب كبير من الخطورة، قال الله تعالى: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ).

ومن الغريب أن نقرأ بين ثنايا المقال شيئاً مثل: «لأن المتع -وإن حراماً- تخضع لمكاسب ذكورية يُعضّ عليها بالنواجذ»، وعجيب مثل هذا المنطق حيث إن المتع حرامها وحلالها لا يفرق بينها بناء على النوع، أي لا فرق بين الذكر والأنثى في ذلك، إن منفعة أو ضررا، إذ إن ما ينال الأنثى منه ينال الذكر نصيبه منه قل أو كثر، المنافع من أمور الحلال مشتركة بين الرجل والمرأة ومسائل الحرام كذلك. النساء شقائق الرجال لهن حقوق وعليهن واجبات، ثم من المرأة، قارئي الكريم؟ أليست هي أمي وأمك وأختي وأختك وزوجتي وزوجتك وابنتي وابنتك، وهكذا، فليست غريبة على الرجل، والمنافع كما الأضرار مشتركة بينهما. من المعلوم أن «فاحشة الزنا» محرمة في جميع الديانات السماوية، أما الآن، هل المفهوم مرتبط به «تحريم عملي» في ديانة مثل النصرانية؟ كلا، بل المتعارف عليه الآن أن الاتفاق بين الجنسين على فعل «ما كان يعتبر فاحشة» لم يعد كذلك، ويكون «جريمة»، يعاقب عليها القانون، إذا ما أجبر أحد الجنسين الآخر على ذلك، فهل ما يطرح الآن، من بلبلة وخلط للأوراق في مجتمعاتنا الإسلامية، سيقود إلى مزالق مثلما حصل لمجتمعات أخرى؟ نرجو ألا يكون ذلك. وأختم بالقول إننا الآن في خوف من زوال النعمة والأحرى بنا تقييدها بالشكر، لقد وعدنا الله بالزيادة في كل خير، في الحياة السعيدة الهانئة الطيبة طالما داومنا على شكره، سبحانه وتعالى، على نعمه التي لا تعد ولا تحصى. اللهم اهدنا جميعاً وزدنا هداية وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد