Al Jazirah NewsPaper Friday  26/02/2010 G Issue 13665
الجمعة 12 ربيع الأول 1431   العدد  13665
 
آفة التطفل
د. عبد الله بن محمد بن عبد العزيز السبيعي

 

من الأمراض الخطيرة والعلل النفسية المنتشرة بشكل ملحوظ في كل المجتمعات وفي كافة المنتديات (التطفل...!!) الذي يدعوني للحديث عنه هنا اليوم أنه - مع بالغ الأسف - أصبح من أكبر الأمراض النفسية...التي أصابت الأخلاق، وسممت الأجواء وأثارت الحزازات والفتن والعداوات والانشقاقات داخل المجتمع الواحد، فلا يخلو مجتمع ما من متطفل همه السؤال عما لا يعنيه والبحث عن أخبار الآخرين، ونقلها بعد تحريفها بالزيادة أو النقص، فالمجتمعات العائلية، والمؤسسات الحكومية والأهلية قد بليت بواحد أو أكثر مصاب بتلك الآفة الخطيرة؛ ألا وهي آفة التطفل، وقبل معالجة تلك الآفة الخطيرة يحسن الوقوف على الفرق بينها وبين الفضول.

ماذا يعني الفضول ؟ وهل هو ضروري للإنسان ؟ وما منافعه وما أضراره ؟ وما الفرق بين الفضول والتطفل؟

في الواقع كل إنسان لديه قدر معين من الفضول يدفعه لمعرفة الأمور المختلفة، فكل إنسان لديه حب استطلاع ورغبة في المعرفة والبحث والاستكشاف، وهذا قطعا أمر نافع ومفيد، ولكن ذلك يختلف تماما عن التطفل الذي يعني حب المرء معرفة أسرار الناس أو الاطلاع على أشياء لا تخصه وليس له شأن فيها، فهذا أمر ضار وسلوك سيىء ولا شك، وأسلوب لا يحبه كل عاقل، وقد يكون الفضول أمرا ضروريا عندما يستغله الإنسان في تعلم شيء ينفعه ولايضر الآخرين به مثل البحث والتنقيب والاكتشاف، فهذا الفضول الممدوح يجعل الإنسان ينمي عقله ويتعلم و يدرك ما هو صحيح، وينتفع بشيء مفيد، أما المتطفل فليس لديه مانع أن يتجسس على الآخرين ليتعرف على أسرارهم.

وقد ورد التطفل عند العرب، وأصله في الجاهلية أن يكون الإنسان في كل بيت، سواء يدعونه الناس أو لا يدعونه، يحضر الولائم متبرعاً بالحضور، ليس عنده أي ظرف أو أي شاغل يؤخره عن الحضور..!!

وقد ألف ابن الجوزي في الطفيليين كتاباً وألف فيهم الخطابي صاحب كتاب العزلة، وألف فيهم كثيرون غيرهم من أهل العلم.والتطفل المعنوي يعد آفة من آفات النفس البشرية، ويعني حب معرفة أسرار الغير، وتتبع خصوصياته، سواء عن طريق السمع والتصنت، أو الكلام والتحدث، أو حتى عن طريق القراءة أو الكتابة، بأسلوب مباشر أو غير مباشر، والتطفل بهذا الوصف صفة سيئة، وسلوك خاطئ، وخلق ذميم غير مرغوب فيه سواء من الناحية الدينية أو الاجتماعية، وهو في الواقع آفة قبيحة توقع الحرج للناس وتتسبب في مضايقتهم، وجلب القلق والإزعاج لهم !!

وينبغي للناس أن يحترموا خصوصيات الآخرين وأسرارهم، حتى في محيط الأسرة والعائلة، فليس من حق الزوج أو الزوجة أن يعبث أحدهما في جيوب أو أدراج أو أوراق الطرف الآخر، وليس من حق أحد أن يتسمع حديثاً ليس له أن يسمعه، وليس من حقه أن يرى خفية ما لا يجوز له رؤيته، فكل هذا لون من ألوان التطفل على الآخرين لا يليق بالمسلم صاحب الخلق الرفيع أن يفعله!

ومن صفات المتطفل أنه لحوح، فهو يلح على غيره بكثرة الأسئلة والاستقصاء، وغالباً يلجأ أصدقاؤه ومعارفه الهروب منه ومن أسئلته الكثيرة وتطفله المزعج، وقد يغضب من هذا ويعاتب هذا، وهم في خجل من مكاشفته بتطفله،وبعدم رغبتهم في الإجابة عن أسئلته واستفساراته واستقصاءاته.

وأحرج المواقف أن يلتقي المتطفل بإنسان حيي خجول...!! فهذا المسكين لن يستطيع أن يصده، ربما يستطيع أن يغير مجرى الحديث ليهرب من الأسئلة المتطفلة، وهكذا قد يخرج من الحرج ! لكن المتطفل المزعج سيرى كل هذا الحرج ولكنه لن يبالي؛ لأنه يريد أن يعرف الأخبار، بل وربما تمادى في تطفله كي يعرف أسباب هذا الحرج !

ومن العجيب أن المتطفل لا يكتفي بمعرفة أسرار الشخص الذي أمامه فقط، وإنما يستدرجه ويجتهد في معرفة أسرار غيره !! حيث إنه لا يسأل الشخص عن نفسه فقط، وإنما يسأله عن الآخرين كذلك… !! ماذا قلت لهم، وماذا قالوا لك؟ وماذا فعلوا ؟ وما شعورهم في الموقف الفلاني؟ وكيف كان تصرفهم؟ وما رأيهم ؟ وما علاقتهم بك ؟ وماذا عن عائلتهم وأصدقائهم وباقي خصوصياتهم ؟! كل ذلك قد يفعله المتطفل بطريقة لبقة محرجة، أو بأسلوب فج مزعج دون أدنى إحساس!!

والمتطفل ترى حواسه دائماً غير هادئة، ونظراته متحفزة وغير مستقرة، وغير محتشمة وغير أمينة، وقد تكون مكشوفة يلاحظها غيره …. وكذلك مسامعه تكون مرهفة وموجهة كالهوائي لالتقاط أي حديث بين اثنين … !! كما أن قدميه تكونان غير مستقرتين، فهو يجول هنا وهناك، ويسأل، أو يتسمع، أو يحشر نفسه بطريقة غير لائقة وسط أحاديث لم يُدْعَ لها، وقد يتدخل في علاقات ليس من حقه أن يعرفها، وربما كانت علاقات عائلية في منتهي السرية بين أب وأبنائه، أو علاقات بين زوج وزوجته، أو علاقات بين صديقين، أو أسرار خاصة بالعمل لا يجوز إفشاؤها؛ والمحير فعلا أن المتطفل لن يستفيد من هذا كله شيئاً، ولا شك أنه لن يستطيع الاحتفاظ بسرية ما يسمع بل سيذيعه في الناس بكل وسيلة ممكنة...

ويكفي المتطفل زاجرا عن تطفله وأتباعه لعورات الناس قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه ابن عباس - رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من ستر عورة أخيه ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته) (رواه ابن ماجة والترمذي) وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) (رواه الترمذي وصححه الألباني) وإني أنصح كل إنسان متطفل بهذه النصائح الغالية قبل أن يندم ولات حين مندم!!!

- تعود أن تحترم خصوصيات غيرك، وأن تقتنع بأن لكل إنسان أسراره الخاصة التي يجب أن يحتفظ بها لنفسه، ولا يقولها حتى لأعز أصدقائه، فكما أن لك أسرارك فللآخرين أيضاً أسرارهم.

- اسأل نفسك باستمرار: ما شأني بهذا الأمر ؟ وهل من حقي التدخل فيه ؟ قل هذا لنفسك بدلاً من أن يتجرأ عليك غيرك فيقوله لك ويحرجك.

- ضع حدوداً لعلاقاتك بالآخرين.

- لا تحاول أن تقرأ خطابات غيرك، أو تعبث في أوراقه الخاصة، أو كتبه ومذكراته، وإن وقع في يدك شيء من هذا فكن أميناً، ولا تطلع على ما ليس من حقك إلا بإذن صاحبه.

- كن عفيف النظر، عفيف السمع، عفيف اليد.

- احرص علي أحبابك وأهلك وأقاربك ومعارفك وأصدقائك وزملائك؛حتى لا تفقدهم بسبب تطفلك عليهم وإزعاجك لهم بملاحقتهم في شؤونهم الخاصة.

اعلم أن الله تعالى حكيم عادل، وقد منح كل إنسان ما يستحق من عطاياه وجوده وكرمه، فلا تنشغل بما وهبك الله تعالى من نعم لا تعد ولا تحصى بتتبع الناس والتلصص على أسرارهم وشؤونهم الخاصة، وإحصاء نعم الله عليهم ... فذلك كفيل بجلب الشقاء لنفسك، وإفساد قلوب الناس عليك، وتأليبهم ضدك!!) وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى، وجعلنا ممن تزداد بهم الحياة بهجة وسعادة، ويملؤوها خيراً ومحبة وتعاوناً، وأن نتعاون جميعا في نشر الخير والتحذير من الشر وأهله، (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقى إلا باللّه)

عميد كلية المجتمع بشقراءوعضو مجلس جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، عضو هيئة التدريس بكلية الدعوة والإعلام.
عضو الجمعية السعودية للدراسات الدعوية



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد