Al Jazirah NewsPaper Friday  26/02/2010 G Issue 13665
الجمعة 12 ربيع الأول 1431   العدد  13665
 
الأمانة
فهد بن سليمان بن عبدالله التويجري

 

هي ضد الخيانة، والأمَنَة جمع أمين وهو الحافظ والله يقول: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب:72)، قيل الأمانة هنا العقل الذي به تكون التكاليف.

الأمانة أوسع من أن نجعلها في الأموال فقط، فهي تدخل في مجالات كثيرة في الدين والأعراض، والأموال، والأجسام، والأرواح، والمعارف، والعلوم، والولاية والقضاء، ووظائف الدولة أمانة، وأموال الدولة أمانة وقيل من أشدها الأموال، فالمحافظة على الأموال أمانة، والمحافظة على الأفكار أمانة، والعلوم أمانة، والفتوى أمانة، والكتابة أمانة، والصحافة أمانة، والقضاء أمانة، والوعظ والإرشاد أمانة، والخطابة أمانة، ونقل الحديث أمانة، والأسرار أمانة، والكلمة أمانة، حتى الأذان أمانة (الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن)، بل حتى اللسان والعين والسمع والبصر والبطن والفرج أمانة، والعورات أمانات، والزوجة أمانة، والأولاد... وهكذا، ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فإذا أسندت أي أمانة لغير أمين، كان ذلك بداية الداء وضياع الأمانة (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) (القصص: 26)، فإسناد المهام والأمانات لغير القادرين الأقوياء معناه المشاركة في ضياع الأمانة، فإن الضعيف والعاجز أو البليد أو من لا خير فيه، أو لا يخاف الله لا يصلح إسناد عمل أو مسؤولية لأي واحد منهم، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

وتأمل ما حصل لأبي ذر لما قال: قلت يا رسول الله، ألا تستعملني فقال: (يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها...) رواه مسلم.

ومن هنا نعرف معنى (الوقاية خير من العلاج). بمعنى أن عدم تولية غير المناسب خير من إبعاده أو فصله بعد ذلك، فإذا أسند القضاء مثلاً أو الإفتاء أو الإرشاد، أو الاقتصاد لغير المؤهلين كان ذلك نواة وبداية ضياع الأمانة، وهذا ما أوضحه النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الحوار الرائع بينه وبين رجل أعرابي، حين كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدث القوم فجاء أعرابي فقال: متى الساعة يا رسول الله؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه، حتى إذا قضى حديثه قال: (أين أراه السائل عن الساعة؟) قال: أنا يا رسول الله قال: (فإذا ضيّعت الأمانة فانتظر الساعة) قال: كيف إضاعتها؟ قال: (إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) رواه البخاري.

وهذا هو مكمن الخطأ الكبير، والخطر العظيم أن يسند الأمر إلى غير أهله وأن يستأمن غير الأمين، أو أن يخوّن الأمين، وقد يكون المسؤول صالحاً في نفسه، ولكنه يضعف عن حمل الأمانة أو يجبن أو غير ذلك من الأسباب، إن الأمانة خلق عظيم، ومسؤولية كبيرة، (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب: 72). ولما كانت الأمانة بهذا القدر العظيم، كانت سمة للأنبياء (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) (الشعراء: 107)، بل سبقهم جبريل الأمين (مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) (التكوير: 21) (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) (الشعراء: 193) كما اتصف بالأمانة عفريت سليمان عليه السلام (... وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) (النمل: 39)، بل عُرف النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالأمانة قبل أن يكون نبياً أو داعياً إلى الله، فكانوا يسمونه بالأمين قبل النبوة، فيقولون جاء الأمين وذهب الأمين، لا لأنه يحفظ الأموال فحسب، وإنما اشتهر بذلك عليه الصلاة والسلام، لأنه كان الأمين على الأخبار والأسرار، والأمين في الحديث، الأمين على العورات، ولهذا ألمحت بنت الرجل الصالح عندما وصفت موسى عليه السلام لأبيها بقولها: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) (القصص: 26). فقال لها أبوها: فقوته عرفناها، فكيف عرفت أمانته، فقالت البنت: كان وهو يسايرني يغض بصره عني، أو كما قالت: فلئن كانت الأموال أمانة فإن النساء أمانة، والعرض أمانة وما يجرى بين الزوجين أمانة...إلخ.

ومن الخطأ الكبير، والذنب العظيم أن نقلّل من هذه الأمانات، فإن المرأة أنفس من المال، وحفظها أولى من حفظ الأموال، وضياعها أخطر من ضياع الأموال، والفتنة فيها عظيمة جداً، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع (اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله)، وقال - عليه الصلاة والسلام - (اتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)، وكلتاهما أمانتان عظيمتان الأموال والنساء، وفيهما هلك خلق كثيرون، ولعل من فوائد الأمانة التالي:

1- الأمانة من كمال الإيمان وحسن الإسلام.

2- يقوم عليها أمر السماوات والأرض.

3- محور الدين وامتحان رب العالمين.

4- يحفظ بها الدين والأعراض، والأموال..

5- الأمين يحبه الله ويحبه الناس.

6- أعظم صفات المتقين (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) (المؤمنون: 8).

وغيرها كثير.. والله أسأل أن يعصمنا من فتنة المال والنساء. وإلى اللقاء.

- مدير إدارة الأوقاف بمحافظة المجمعة
فاكس: 3230324-06
القصيم - بريده الرمز البريدي: 51481 ص.ب: 3784



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد