Al Jazirah NewsPaper Sunday  14/03/2010 G Issue 13681
الأحد 28 ربيع الأول 1431   العدد  13681
 
مظاليم.. (لم يبرحوا) أبواب (التربية والتعليم)..؟!!
حمَّاد بن حامد السالمي

 

- فوجئت حقيقة؛ بردود كثيرة على مقالي المنشور هنا يوم الأحد (28 فبراير 2010م) تحت عنوان: (حكاية وطنية.. بين الصحة والمدنية). الردود في معظمها لم تأت من خريجي الكليات والمعاهد الصحية، الذين كانوا هم موضوع المقال، ولكن (مظاليم التربية والتعليم) -كما أسميتهم في مقال سابق- هم الذين كاتبوني وراسلوني؛

صارخين نافين مبارحتهم لأبواب التربية والتعليم منذ ما قبل ثلاث سنوات. لقد ذكرت في مقال (حكاية وطنية...)، أني أتمنى مبارحة (مظاليم التربية والتعليم) لتلك الأبواب الموصدة القديمة، إلى أبواب جديدة مشرعة، تفضي بهم إلى الحياة الوظيفية والتعليمية، وإلى الأمن النفسي والأمان المعيشي، لتأتي ردودهم بعد ذلك، سوداوية ومغرقة في الحزن والتباكي على سنوات ضاعت في الدراسة، وسنوات أخر، تضيع في انتظار تحقيق الأحلام التي تأبى أن تتحقق -كما يقولون- حتى كتابة هذه السطور.

- أترككم مع نماذج مختارة مما حمله بريدي هذا الأسبوع، من أوساط طلاب وطالبات كليات المعلمين دفعتي (1427هـ - 1428هـ)، بتصرف واختصار شديد:

- فهد أبو كف يقول: قرأت مقالك في جريدة الجزيرة، والذي كان عنوانه (حكاية وطنية.. بين الصحة والمدنية)..؟. حقيقة.. كان المقال كما تعودنا منكم، يحكي هموم أبناء هذا البلد، ودائماً تضع يدك على الجرح، لكن شدني مقطع من هذا المقال، وهو الذي قلت فيه: (ثم كتبت بعد ذلك، عن مظاليم (كانوا) على أبواب وزارة التربية والتعليم، وهم من خريجي وخريجات معاهد وكليات المعلمين سابقاً. أرجو أن يكونوا قد بارحوا هذه الأبواب القديمة الموصدة، فدخلوا من أبواب مشرعة جديدة، إلى وظائفهم في مدارس التربية والتعليم).

* ثم يقول فهد: أنت قلت: (كانوا).. لكن أنا أقول لك: (مازالوا) إلى هذه اللحظة، وما زلنا نعاني - بصفتي أحد خريجي هذه الكليات - فنحن خريجي كليات المعلمين دفعتي (1427 و1428هـ)، ما زلنا نعاني. الوزارة اعترفت بتبعيتنا لها، لكن دون حراك. كل يوم وعود جديدة. كل يوم مسئول يأتي بتصريح. هناك أمر سامٍ بتعيين الدفعتين، ويأتي أحد المسئولين في برنامج مستشارك التعليمي ويقول: (ليس أمراً.. بل هو دراسة وضع)..! ويأتي تصريح سمو الوزير ويقول: (حسب الأمر السامي). فما رأيك في هذا؟

- وهذا مطر الشمري يقول: ما نتفق عليه، هو أننا جميعاً أبناء هذا البلد المعطاء، الذي فقد في هذا اليوم الأحد - وأنت تكتب متمنياً إنهاء مشكلتنا - طالبين اثنين من زملائنا المتخرجين، اللذين قدما إلى الرياض، لشكر سمو وزير التربية، على إنهاء معاناتهما.. إنهما لم يصلا للوزارة لتقديم الشكر، لأن قدر الله كان أسبق، ففجعنا بفقدهما في حادث سير.. أرأيت..؟! أراحهما الموت من سماع المسئولين في الوزارة، وهم يتحدثون هذا اليوم إلى زملائهم قائلين: (ليس هناك تعيين لكم)..!

- ثم يقول: قضيتنا ومعاناتنا لا تخفى على أحد. هي تريد رجلاً شجاعاً إذا نظر إلينا ونحن على هذه الحالة، قال لنا بفم مليان: (ضاعت أعماركم أيها المساكين، بعد أن ناهزتم الثلاثين، ماذا ترجون بعد سن الثلاثين)..؟!

- عناد المطيري.. هو الآخر يقول من ضمن نثرية بكائية طويلة: حزنٌ عميق يلفنا يا سيدي.. هذه هي حقيقتنا نحن (البكائيين العاطلين)، الذين كفلت حقوقنا وزارة التربية في بداية الأمر، ثم ما لبثت أن تخلت عنا، وتبرأت منا.. إلى متى..؟ هل إلى الأبد..؟ لا ندري. هل سنلجأ للبكاء في كل مرة لنيلِ حقوقنا؟ هل سنحتاج للدموع في كل حينٍ نطالب فيه بحقوقنا؟

- إن دموعنا يا سادة، قد جفت، وإن مآقينا قد تحجرت. نحن لم نعد نملك كمية كافية من الدموع، التي كنا نعدكم بها في كل عام.

- لقد ذهبت دموعنا مع نداءاتنا المتكررة، وأصواتنا المبحوحة.

- ذهبت دموعنا مع المدارس الأهلية، وهي تذلنا وتطأ على أعناقنا وتلويها لياًّ.

- ذهبت دموعنا ونحن نتوسل إليكم أن تخبرونا عن مصيرنا.

- ذهبت دموعنا حين سلبنا المركز الوطني، واختلس أموالنا بحجة قياس مستوى مناهجكم.

- ذهبت دموعنا بعد أن خُدعنا بمادة الحاسب الآلي للمتوسط، ثم رمينا بعد التخرج.

- ذهبت دموعنا مع كم هائل من القرارات، التي لم تفلح في معالجة وضعنا المحرج.

- ذهبت دموعنا عندما صعقنا بالعدد الزهيد للمرشحين.

- ذهبت دموعنا حين اتضح أن قرارات توظيف الخريجين لا تعرفنا.

- ذهبت دموعنا ونحن نرى أحلامنا توأد في مهدها.

- ذهبت دموعنا، ونحن نشهد ارتفاع عدد العاطلين مثلنا من الخريجين في كل عام.

- لم تتبق لدينا دموع يا سادة!!

- من يعيد لنا الدموع؟

- ومن يشعل في قلوبنا بقايا الشموع؟

- عذراً يا دموع.. عذراً يا دموع..

- وهذا كما تسمى هو: (العبد الفقير إلى الله، أحد خريجي 27-28هـ) يقول: التحقت بكلية المعلمين عام 1424هـ، فأمضيت ثلاث سنوات دراسية متواصلة تحت مظلة الوزارة الأم (التربية والتعليم), ولكن (الأم) تنازلت عن أولادها للتعليم العالي، مع أننا موقعون على تعهدات تقضي بتعييننا معلمين في خدمة الوطن. أكملت السنة الأخيرة على خطى سابقاتها فتشرفت بخدمة التعليم، وشرفت بخدمة وطني، وبعد أربعة أشهر فقط، هي فصل دراسي لا غير، تربية ميدانية, جاءت ساعة الفرح والتخرج والتبريكات. إنها درجة البكالوريوس في التعليم الابتدائي.. هل من الممكن أن يصبح عاطلاً من يحملها؟ وفي الماضي كانت الشهادة الابتدائية تكفي لمعادلتها..؟!

- مضت السنة الأولى.. ثم الثانية والثالثة، وها نحن في حالة انتظار ممضة.. ثم ماذا بعد..؟

- انتهت..

- أقصد.. انتهت مختاراتي من رسائل المظاليم، ولم تنته رسائل ولا ظُلامات المظاليم التي تؤرقهم وتؤرقنا جميعاً. لا بد أن هناك حلاً في الطريق.. ما أجمل أن ننظر إلى الأمام ونحن نسير في الطريق، وفي طريقي إلى عملي كل يوم، أشاهد مدارس درست فيها، وأخرى علّمت فيها، وأتذكر أساتذتي الأفاضل، وتلاميذي النجباء، وزملائي الفضلاء، وأشعر كل يوم، بشوق كبير لدخول تلك المدرسة أو تلك. إني ما زلت مشدوداً إلى الجو التربوي الجميل، ومحسوباً عليه، وأتمسك بهويته، مع أني خارج دائرته بعد التقاعد المبكر، وإذا سألني سائل عن مهنتي أقول: معلم.. معلم قديم. وربما أقول: محارب قديم..! فالمعلمون محاربون حقيقيون ضد الجهل والتخلف، وهم دعاة علم وخلق، وهم رسل سلام ونور وهداية إلى التقدم والازدهار، وحري بنا تكريم هذه الكتائب النورانية، ولو بمعرفة فضلها، وإعطائها حقها، ومساعدتها على أن تعيش آمنة مستقرة، لكي تبدع وتسهم في بناء الإنسانية.



assahm@maktoob.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد