Al Jazirah NewsPaper Sunday  14/03/2010 G Issue 13681
الأحد 28 ربيع الأول 1431   العدد  13681
 
لما هو آت
مَن ينخرُ في الغصون...!
د. خيرية إبراهيم السقاف

 

لا يزال الحمقى، والطفيليون، والصعاليك، والمتطفلون, والمتمردون، والثقلاء، والمنافقون، والكاذبون، والوصوليون، يعيشون بين الناس, يمارسون حياتهم الطبيعية، ولهم أصحابهم، وندماؤهم، ورافضوهم، ومحبوهم، وكارهوهم، وباغضوهم، ومستظرفوهم، ومبعدوهم، ومقربوهم، ومنكروهم، والجاهلون بهم، بعضهم، مفرد الصفة، وكثير منهم مزدوج الصفات، فيهم الواضح، وجلَّهم المتواري، قليلهم الساذج، وكثيرهم الماكر، أغلبهم يقوى شيطانه عليه فتغلب عليه صفاته، وأندرهم يقوى على شيطانه فينهزم أمام صفاته، منهم من له ضحايا بلا عدد، ومنهم من يقنن ضحاياه،... ربما هم الصورة الخفية لضعف الإنسان من حيث هم الصورة الجلية لقوة الضعف فيه... لا يخلو مجلس من بعضهم، ولا يطهر مجتمع من وبائهم، كلما قلت إن الناس عرفت فوعت، فحسنت أخلاقها، وتشذبت طباعها، كلما وجدت أن الحياة تزداد اكتظاظاً بهم.

يبدو أن الإنسان كلما نهل من معين الحياة زادته من غرورها بأمثالهم، هم النماذج البالغة أمرها، والمتسيدة دربها، لذا فرغت الصدور من الحب، وضعفت وشائج القرب,.. كان الناس يتندرون بقصصهم، فيدونونها للدعابة بهم من جانب، وللحذر منهم من جانب، غير أن وسائل الحياة ساعدتهم للإيغال في لحمتها، وللوصول لسدة أمورها، هم كالعمولة في صفقاتها، وكالهدايا في مسابقاتها، آخر الراكضين، وأول الواصلين.. ألسنتهم معسولة، وأوجههم مصقولة، ثيابهم لامعة، وقلوبهم داكنة، يتلونون في المواقف، ويلبسون لكل دور حلته، ولكل مكان خطابته، لا تعجزهم الإمالة، ولا تثنيهم الإطالة، فهم الفائزون الظافرون... من يتقدم عن الصادقين، القانعين، الطاهرين، الجادين، الأنقياء، الصابرين، الأوفياء المعطائين،... فهم إن عُرفوا بين الناس في زمن الأعداد القليلة، والبيوت المتقاربة، والمدن الصغيرة، والحاجات اليسيرة، إلا أنهم انتشروا وتوالدوا فكثروا في زمن، المدن الشاسعة، والمجتمعات الملونة، والأنفس المتكاثرة... فجهلهم الكل، وعرفهم الندرة...

يفاله من إنسان بائس، من يعيشون معه وهو يجهلهم, يحسبهم الأنقى، وهم يحيكون في الأظلم.. والأطيب وهم الأخبث، والأنزه وهم الأجشع.. فالحياة بهم كالحديقة الوارفة، غير أن هناك ما ينخر في شجراتها في الخفاء...!




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد