Al Jazirah NewsPaper Tuesday  16/03/2010 G Issue 13683
الثلاثاء 30 ربيع الأول 1431   العدد  13683
 
المنشود
العشق والاستغفال!!
رقية سليمان الهويريني

 

لا يستهويني التسوق مع أولادي، وكثيراً ما أعتذر لزوجتي برغم إلحاحها الدائم عليّ لمرافقة أولادنا واحتساء كوبٍ من القهوة هناك. فأنا رجلٌ لدي مشاغل كثيرة والتزامات عديدة، ولكنني رضخت لإلحاح ابنتي الصغرى فخرجت بصحبتهم.

وحين دلفت محلاً في السوق لمحتُ امرأة قد حباها الله جمالاً أخَّاذاً لم أستطع حياله أن أغض طرفي عنها وتسمرت قدماي وجحظت عيناي لمرآها! وعندما رأت دهشتي ألقت ما بيدها وخرجت من المحل، فاعتذرتُ لأولادي عن مواصلة التسوق! وتبعت المرأة أسعى خلفها من محل لآخر وكأنني مراهق يتبع فتاة! التفتتْ نحوي ونهرتني بعنف، فاعتذرت لها موضحاً قصدي الشريف بالزواج بها برغم جهلي بوضعها الاجتماعي، وسلمتها بطاقة باسمي ورقم هاتفي، فأخذتَها وذهبتْ!

غادرتُ السوق وكأن روحي قد غادرتني، وعدت لمنزلي في حالة من الحيرة والقلق والأمل! الأمل أن تهاتفني وأسمع صوتها، تلك المرأة التي خطفت قلباً وأودعت بدلاً منه لوعة واشتياقاً! ورجعتُ لنفسي أسألها عن تلك المشاعر الطاغية التي سيطرت على كل كياني، وأنا رجلٌ قد تجاوز الخمسين وتاريخي الأخلاقي شاهد لي بالاستقامة والرزانة، وعجبتُ من القدر الذي أخرجني للسوق لأرى ذلك الملاك الجميل الذي أيقظ مشاعري بعد سبات طويل.

ولم يمضِ غير كثير عليها ولكنه طويلٌ عليَّ، ثلاثة أيام حتى سمعتُ صوتها عبر هاتفي تبلغني بما كنت أنتظره، سيدة مطلقة لها ثلاثة أبناء، عمرها بالأربعين وليس لديها مانع من الارتباط بي! وكانت المكالمة قصيرة جداً إلا أنها وافية بالغرض، حيث اتفقنا على موعد الحضور لخطبتها من والدها.

وحين دخلت منزلهم وجدته قصراً منيفاً لا يتواءم قط مع وضعي الاقتصادي! برغم شغلي وظيفة مرموقة. قابلتُ والدها وإخوتها، وكان الأمر انسيابياً بدرجة عجيبة حين رفضوا قبول مهر أو مسكن خاص أو إقامة حفل زواج، باعتبار أنهم كسبوا إنساناً في أخلاقه، رجلاً في سلوكه!

لم يمضِ الأسبوع الأول إلا وحبيبتي بقربي ألمسها حقيقة بازغة كالشمس، ولا زلتُ أشعر بأنه حلم جميلٌ وليس واقعاً معاشاً!

قضينا سوياً الليلة الأولى في فندق متميز كأجمل سنوات العمر، وتلتها الليلة الثانية والثالثة. وإن سألتم عن حبيبتي فجمالها فتان وحديثها عذبٌ وعقلها راجحٌ، وخفة دمها طاغية، عدا أنها متحدثة بارعة، ذات أناقة متناهية في الذوق ورائحة كالأريج!

وحين تكون نائمة ببراءة أتأملها فتتضاءل نفسي أمام خالقي شكراً له على أن وهبني هذه الإنسانة، ولم يُطِلْ عليَّ لواعجَ الاشتياق ولوعةَ الانتظار وقسوة البعد!

أقتربُ منها وأمسك بيدها وأقبلها وأنا ما قبلت يد أمي أو أبي قط! ووددتُ لو قبلتُ قدمها وأظافرها وشعرها الأسود! وأجدني وأنا الرجل الراشد لا أستنكف أن أشمَّ رائحة ملابسها! كانت هي تتعب فتنام وكنتُ أتعب فلا أستطيع النوم خشية أن أكون في حُلم فأستيقظ وأفقد حبيبتي!

واستكمالاً لهذا الكرنفال الفريد وددت قضاء شهر في أوروبا التي طالما تمنيتُ أن يرافقني إليها من يشاركني مشاعري.

أنهيتُ إجراءات السفر بينما تركت الحبيبة تودع أسرتها، وحين هاتفتها لأستعجلها، لم ترد عليَّ إطلاقاً برغم إعادة الاتصال! وحيث لم يبقَ إلا وقت قصير على موعد إقلاع الطائرة حملت حقيبتي وذهبت لمنزل والدها. وقابلت أحد إخوتها فاعتذر لي بلطف بعدم سفرها معي! وعندما طلبتُ مقابلتها عاجلني أخوها الآخر بإطلاق قنبلة بددت الحلم: انتهى الفيلم يا بطل، فقد لعبتَ دور المُحلِّل لشقيقتي لتعود لزوجها السابق! وطلب مني إرسال ورقة الطلاق بأسرع وقت ممكن، وأمر الحارس بإخراجي من القصر!

حاولت مقاومة الصدمة، مستعرضاً الأحداث جميعها! فوجدتُ أنني كنتُ مندفعاً وساذجاً ومغفلاً! فبكيتُ بكاءً مراً! وبكيت لأنني شعرت بالاستغفال والهوان وهدر الكرامة بسبب نظرة طائشة وعاطفة جارفة!

لم أجد بداً من إرسال ورقة الطلاق بعد مرور أسبوعين على حكاية التسوق إياها. تخيلوا قصة حب دامت أياماً، بينما تأثيرها وآثارها ستدوم سنوات وعقوداً!

ولايزال السؤال يرن في أذني: كيف لرجل غبيٍّ تطليق ذلك الملاك الرائع ثلاث طلقات؟ وكيف تلفظ بها؟ بينما فشلتُ عدة مرات في إخراجها من حلقي لدرجة أنني كرهت حروفها، ولم أكرهها هي قط، وأرجو أن تكون نصيبي في الجنة!

www.rogaia.net


rogaia143@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد