Al Jazirah NewsPaper Thursday  18/03/2010 G Issue 13685
الخميس 02 ربيع الثاني 1431   العدد  13685
 
ما هكذا يُنْقَذ مَنْ يُحَاوِلُ الانتحار؟
د. خالد بن عبد الله السبيت

 

طالعتنا الصحف المحلية يوم الأربعاء قبل الماضي بقصة شاب سعودي أوشك على الانتحار في مدينة تبوك، ومن اللافت للنظر أنّ الأجهزة الأمنية باشرت الحدث وحضرت الموقع بكامل إمكاناتها، وعملت كل ما تستطيعه لثني الرجل عن الجريمة التي كاد أن يقع فيها بقتل

نفسه، وقد تكلّل جهدهم - بحمد الله - بالنجاح حيث أَمكن منعه من ذلك، فلله دَرّهم وعليه شكرهم وجزاءهم. إلاّ أنّ الذي لفت نظري عدد من النقاط التي يجب الوقوف عليها:

أولاً: لم يرد في الخبر بحسب ما قرأته في أكثر من صحيفة محلية أنّ الأجهزة الأمنية استعانت بمتخصصين في التفاوض وفي الشؤون النفسية والاجتماعية بغرض منع الشاب مريد الانتحار من القيام بفعلته الشنعاء بشكل محترف، بحيث يعرف المحترفون كيف يتعاملون مع مثل هذه الشخصيات التي تعاني من اضطرابات نفسية بسبب الضغوطات الحياتية. غياب مثل هؤلاء المتخصصين يضع أكثر من علامة استفهام يجب الإجابة عليها.

ثانياً: جاء في الخبر أنّ بعض أفراد أسرته حضروا الموقع مصطحبين أطفاله بغرض التأثير عليه ودفعه إلى التراجع وأنّ الأطفال كانوا يتوسّلون إليه، إنّ الاستعانة بأطفال الشاب في مثل هذا المشهد الدرامي المسرحي كانت عملية خاطئة بكل المقاييس، ففي حال تم إنقاذ الرجل - وهو ما حصل - كيف يمكن تصوُّر نظرة الأبناء إلى أبيهم!؟، ثم إلى أي مدى يمكنهم الاعتماد عليه والثقة به بعد ذلك؟؟ وما مدى تأثرهم السلوكي بسبب مثل هذه المشاهدة؟. شخصياً لن أعجب إذا ما مارس أحد أبنائه مستقبلاً مثل هذه الضغوطات بغرض الوصول إلى مبتغاه، طالما أنه رأى أباه يسلك هذا المسلك، ومن هنا نكون قد أنقذنا شخصاً واحداً وأوجدنا أشخاصاً عديدين متهيئين لمثل هذا العمل!.

ثالثاً: وهو تابعٌ لما سبق، بافتراض أنه لم يتمكن رجال الأمن من إنقاذ الرجل وقد سقط منتحراً أمام أطفاله، فما هو الأثر النفسي الفظيع الذي يمكن تصوّره في حال هؤلاء الأطفال؟ ومن الذي سيكون مسئولاً عن هذا العمل المشين في حق هؤلاء الأطفال؟ ومن الذي سيستطيع إزالة الصورة الذهنية لوالدهم وقد ألقى بنفسه أمام أعينهم وعلى مرأى من الأشهاد؟.

وأخيراً: ذكرَ الخبرُ أنه تم منع الرجل من السقوط بطريقة لا تخلو إطلاقاً من مغبّة المخاطرة، وذلك وبحسب إفادة الخبر أنه أثناء انشغاله بأطفاله وصل عدد من رجال الأمن وبسرعة فائقة انقضوا على الشاب الذي كان في موقع خطر من المبنى!. وهذه طريقة اجتهادية محضة تدلّ على أنّ طريقة الإنقاذ تمّت بشكل غير محترف لغياب المتخصصين كما تم ذكره في أولاً. وهو أمرٌ سيلقي بظلاله سلباً لو فشلت العملية.

ومع كلِّ ما تقدم فإني لا أشك إطلاقاً في حرص واجتهاد الجهود الأمنية المتوافرة بغرض احتواء الموقف ومنع هذه الكارثة من الوقوع، إنما أحببت التعليق عليها منبهاً إلى أنه يجب علينا الارتقاء بأساليب المعالجة إلى مستوى الاحتراف، خصوصاً مع تزايد حالات الانتحار وإن كانت لا تزال في حدودها الدنيا والحمد لله.

أستاذ الدراسات الإسلامية المساعد
ووكيل قسم العلوم الإنسانية بكلية الملك خالد العسكرية


khalsubait@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد