Al Jazirah NewsPaper Friday  19/03/2010 G Issue 13686
الجمعة 03 ربيع الثاني 1431   العدد  13686
 
تبعثرت القضية
عادل علي جودة

 

في كل شأن، ومع كل خطوة، يتعاظم الهمّ الفلسطيني؛ همٌّ يضاف إلى همّ، لتزداد الجراح ويتراكم الوجع والألم؛ همّ المعابر والأنفاق، وهم اللقمة والدواء والماء والكهرباء، وهمّ افتراش الأرض والتحاف السماء، وهمّ الغربة وشهادة الميلاد وجواز السفر، وهم التعليم والعمل! ثم همّ الصمود والمقاومة، وهمّ المفاوضات والسلام، وهمّ الكراسي والاقتتال، فهمّ الانقسام وما ألحقه بنا من غدر وحقد، ولعن وسبّ، وما جلبه لنا من ذل وانكسار!

هموم متشعبة كثيرة وكبيرة، يصعب حصرها أو الوقوف على حجم أذاها، باتت تلازم الإنسان الفلسطيني كظله، تربك خطاه، وتفسد أنفاسه، وتسيطر على فكره ووجدانه، حتى أنسته همّه الأول؛ أنسته أرضه، وسلبت تاريخه، وبعثرت قضيته!

إذا التقى الفلسطينيون مع بعضهم البعض في شتى مناسباتهم، يأخذهم الحديث تارة عن آثار حصار غزة ومآسي إغلاق معبر رفح، وتارة أخرى عن الفصائل الفلسطينية بتعدد أقنعتها وأعلامها، ووحل فرقتها وخلافاتها؛ فريق يصب جام غضبه على حماس، وآخر يترقب رياحاً عاتية تقتلع فتح من جذورها، وثالث ينتظر انشقاق الأرض لتبتلع الحركتين معاً، ورابع يبدع في الهروب من نفسه فينتقي أبشع الألفاظ ويرمي بها إخوة العروبة والإسلام؛ وفي هذا الصدد حدّث ولا حرج! ويتجسد حجم الظلام الذي يخيم على الواقع الفلسطيني حينما تسمع أحدهم يغلّظ اليمين «أن اليهود أرحم»!! يا للعجب!!

والأكثر مرارة، أن الأمر لا يقف عند هذا الحد؛ أقصد أن التنفيس عن المقت والقهر لا يقتصر على ابن الشارع الفلسطيني بمثل هذه الحوارات وفي جلسات مغلقة أو مستورة، بل التنفيس قائم بمفردات نارية حارقة، يشنها حاملو راية التحرير، وشعار الوحدة، ووعود العودة، على بعضهم البعض، وعلى الملأ؛ عبر قناتينا الفضائيتين؛ قناة فلسطين من جهة، وقناة الأقصى من جهة أخرى، ولا توفر إحدى القناتين جهداً لكشف عورة الأخ اللدود؛ وفي هذا السياق أذكر أني قرأت في الشريط الإخباري المتحرك على شاشة إحدى القناتين عبارة تصف الطرف الآخر بأنه والعدو الصهيوني وجهان لعملة واحدة!! وأيضاً يا للعجب!!

وهناك، في الطرف الآخر، ليس الأمر كما يظن البعض؛ أن عدونا يتفرج علينا واضعاً رجلاً على رجل! لا لا، إنما هي لحظة خاطفة يطلق فيها ابتسامة السخرية من حمقنا وتخلفنا وغفلتنا، ثم يعود من فوره - مكشراً عن أنياب الافتراس - ليواصل رسم مخططاته وتنفيذها بكل ما أوتي من قوة، فها هو جداره اكتمل، وشعبه الذي لملمه من أصقاع الدنيا يعيش حياته في أمن ورخاء، وها هو نتنياهو الفريد في حقده ومكره راح يخلخل ما تبقى من الوجود الفلسطيني ليس في القدس وفي ربوع الضفة الغربية فقط، بل وفي الداخل الفلسطيني حيث تمادى في صلفه وغيه وراح يفرض علينا الاعتراف بيهودية الدولة! لم لا يفعل هذا في ظل ما قدمناه - وما زلنا نقدمه - من تنازلات! لم لا يفعل هذا وأكثر وقد تأكد من زوال مسببات أرقه؛ ففلسطين (الأرض والشعب والتاريخ) انتهت، وحقوق الدولة والعاصمة والسيادة والعودة تبخرت، وحتى حدود عام 1967م لم يعد لها أثر! القضية برمتها تجزأت وتبعثرت!! واخزياه!

واخزياه من أنفسنا أمام أجدادنا وآبائنا وشهدائنا؛ طعنّاهم في تضحياتهم وعذاباتهم ودمائهم، ودسنا بأقدامنا لوحة العز التي رسموها لنا!

واخزياه من أنفسنا أمام فلسطينيي المخيمات داخل فلسطين وفي الشتات؛ قتلنا فيهم حلم العودة!

واخزياه من أنفسنا أمام أهلنا داخل الأرض المحتلة عام 1948م؛ أزحنا الستار أمام عدوّنا (بأيدينا) ليزلزل أركانهم!

وأخيراً، وليته يكون الأخير، واخزياه من أنفسنا أمام أجيالنا القادمة؛ لم نترك لهم كلمة طيبة يعتدون بها، ولا بصمة مشرفة يقتدون بها! بل أورثناهم نوايا حاقدة، وقلوباً سوداء، وأيدي ملطخة بدماء بعضنا!

اللهم إني لا أسألك رد القضاء، ولكني أسألك اللطف فيه!

كاتب فلسطيني - الرياض



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد