Al Jazirah NewsPaper Sunday  21/03/2010 G Issue 13688
الأحد 05 ربيع الثاني 1431   العدد  13688
 

لماذا نهابُ من النقد!!
د. علي بن محمد الحماد

 

يقول العلماء (إن الخطأ هو طريق الصواب، والفشل هو طريق النجاح)!!

بل العقلاء الحكماء يقولون ينبغي للعاقل الحاذق الفطن أن يستفيد حتى من نقد خصومه وأعدائه!!

فهم وسيلته لتجنب الأخطاء، وهم وقوده لاكتساب المعالي.

عِداتي لهم فضلٌ عليّ ومنّة

فلا أبعد الرحمن عنّي الأعديا

هُمُوا بَحَثوا عن زلّتي فاجتنبتها

وهم نافسوني فاكتسبتُ المعاليا!!

لكن المؤسف حقاً أن مجتمعنا على كافة شرائحه ومؤسساته الأهلية والحكومية لديه حساسية متناهية من النقد!!

والعلماء يقولون: (الصراحة صابون القلوب.. لا باعثة الكروب والندوب)!!

فالذي في مجتمعنا يرضى بالنقد (أندر من النادر) إلا أن يرضى به قولاً ويخالفه فعلاً.. أو يرضى به ظاهراً وأمام الملأ ثم يقعد بالمرصاد لهذا الناقد يتربص به الدوائر..!!

علماً أنه لا بد للنقد الإيجابي من خصائص وسمات ينبغي أن تتحق منها مثلاً:

1- أن يكون النقد موضوعياً.

2- أن يكون النقد هادفاً.

3- أن يكون النقد مؤدباً، يتجلى فيه الإخلاص للمنقود، لقوله صلى الله عليه وسلم: (عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به).

4- أن يظهر فيه التعالم للمنقود أو التجريح أو الحطّ من قدره.. كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}.

5- أن يراعي في النقد تباين المقامات لقوله صلى الله عليه وسلم (أنزلوا الناس منازلهم) وقوله صلى الله عليه وسلم (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم)، ففرق بين الوجهاء العظماء وبين عامة الناس، فرق بين الأمير وراعي الحمير!! قال تعالى {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا} أي للتسخير والخدمة لا للسخرية.

6- لا بد من مراعاة الوقت والفرصة المناسبة والبيئات والأحوال (فليس كل ما يُعلم يقال، وليس كل ما يقال قد حضر أوانه، وليس كل ما حضر أوانه حضر رجاله)!! فلكل مقام مقال!!

7- أن يكون الناقد بصيراً عالماً بما يقول، ويعرف خلفية الموضوع المراد نقده، ويعرف ما له وما عليه، ومسوغاته ومبرراته، وكل ما يحيط به!! أما الهذرلوجيا فكل يُحسنها!!

وإذا رأيت الرجل أو المؤسسة أو الوزارة تخاف من النقد الموضوعي أو تهابه فتيقن أن في الأمور (دغل)، وأنه كما قال:

إذا ما الجُرح ضم على فسادٍ

تبين فيه إفساد الطبيب !!

لا بد أن يكون عند الرجل أو الجهة الجرأة الأدبية لقبول النقد!!

قال الملهم القائد العظيم عمر بن الخطاب رضي الله عنه (رحم الله من أهدى إليّ عيوبي).

وقيل له ذات مرة: اتق الله يا عمر!! فقال: لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فيّ إن لم أقبلها!!

فالنقد في أصله نوع من النصيحة، والنصيحة هي أصل الدين وجوهره، وذروة سنامه، كما قال صلى الله عليه وسلم (الدين النصيحة، كررها ثلاثاً، ولم يقصرها صلى الله عليه وسلم على أحد بل أوجبها على الجميع وللجميع من ولي الأمر إلى عامة الناس فقال: النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم..).

والنصيحة مأخوذة من النصح وهو خلاصة العسل.. فكأنك تمنح أخيك خلاصة المودة بالنصيحة!! وقيل النصح: هو مخاط الثوب.. فأنت تسد خلته..!!

لكن أين من يقبل النصيحة.. علماً أن الذي لا يقبل النصيحة فإنه متكبر ولا شك إذا أتت بشروطها!!

والتواضع كل التواضع هو بتقبلها بقبول حسن!!

ولعل أغلب الناس يظن أن قبولها يخدش كبرياءه!! ويحط من قدره!! والصواب هو العكس لقوله صلى الله عليه وسلم (من تواضع لله رفعه)!! هذا حكم من لا ينطق عن الهوى!!

لا حكم حكيم ولا شاعر ولا فلان ولا علان!!

وإن لم تخني الذاكرة فأعتقد أن للشيخ سلمان العودة مادة علمية بعنوان لماذا تخاف من النقد.. فإن كانت ثم فحبذا الرجوع إليها..

لماذا نهاب النقد ونحن نعلم أن الأصل فينا الجهل والظلال قال تعالى {وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}.

وفي الختام أوصي نفسي وإخواني القراء الفضلاء بقراءة الجوهر النفيس للإمام الحَبر البحر - الشافعي رحمه الله حيث يقول:

تعمدني بنُصحك في انفرادي

وجنبني النصيحة في الجماعة

فإن النصح بين الناس نوع

من التوبيخ لا أرضى استماعه!!

لا بد أن نوطن أنفسنا، ونكبح جماح غلوائنا لقبول النقد، سواء سُمي نصيحة أو نقد أو وجهة نظر أو... إلخ.

وفق الله الجميع. والسلام عليكم.

الموجّه الشرعي في القوات المسلحة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد