Al Jazirah NewsPaper Sunday  21/03/2010 G Issue 13688
الأحد 05 ربيع الثاني 1431   العدد  13688
 
حامد مطاوع.. أستاذ الحرف الصادق الذي رحل!
عبد الإله بن سعود المنصور السعدون

 

في صيف عام 1386هـ دخل مطابع مؤسسة الندوة شاب نحيل خجول، وبينه وبين عالم الصحافة بوابة زجاجية، وراءها مكتب متواضع (جداً) وضعت عليه لوحة خشبية كُتِب عليها كلمة (رئيس التحرير). عرفته بنفسي، وبعد السلام قام من مكتبه وطلب لنا (شاي بالنعناع)، وقرب إلى مجلسه (الشيشة) ولازمتني حالة من السعال لأني لا أرتاح لرائحة (الجراك) وانتبه لذلك، وطلب مني تغيير مجلسي وارتحت لهذه الشخصية الفذة التي أمامي وفيها مزيج هائل من الصفات، فيها الحزم والطيبة ومرح الواثق من فرض احترامه على مخاطبه، يربطه جدار من الزجاج والألمونيوم بجهاز التحرير المكون من أربعة أشخاص مديرهم الأستاذ نعمان طاشكندي، ودون سكرتارية ولا علاقات عامة! سلمته مقالي الأول (تطور الزراعة في الأحساء) وكان مفعوله كالسحر ليحرك في نفسي صف الحرف بالكلمة والعودة لأستاذ حامد حسن مطاوع الذي وجه قلمي نحو الصف الأول في مدرسة الصحافة، وحتى مساري الوظيفي أثر في تغيير سكّته من وزارة البترول والثروة المعدنية إلى وزارة الإعلام.

كان من زملاء التلمذة الصحفية آنذاك الأستاذ: مقبول الجهني - عبدالكريم نيازي - د. رفقي طيب - محمد محمود حافظ، ولا أنسى مفاجأة الظرف الذي وجدته على مكتبي في وزارة الإعلام في جدة - عمائر الشربتلي - وكانت المفاجأة رسالة من جريدة الندوة ووجود شيك كبير بداخله عليه ثلاثة تواقيع ومبلغه 174 ريالا - مكافأة تسعة مقالات وتحقيق صحفي - وكتبت على ظهره عبارة واحدة - الحرف أثمن من المال - ومنذ ذلك التاريخ لم أتسلم أي ظرف مفاجأة!

ومع انتقال وزارة الإعلام عام 1388هـ إلى العاصمة الرياض انتقلنا أيضا في مدرسة صحافة الندوة إلى مرحلة متقدمة في الزحف نحو الصفحات السياسية في الجريدة بعد أن كنا ضيوف صفحة (أقلام شابة) ولا أنسى للفقيد أبي انمار -رحمه الله- موقفا مهنيا صادقا فيه مزيج من التواضع وإيثار النفس؛ فقد كنت عضوا في لجنة صياغة التعليق السياسي الرسمي الذي كان يذاع عقب نشرة الأخبار، وأذيع باسمي أول تعليق بإذاعة الرياض بعنوان - رؤى الفيصل والتضامن الإسلامي - وكانت المفاجأة الثانية نشر التعليق في الصفحة الأولى بجريدتي (الندوة) في الموقع المخصص لمقال رئيس التحرير - بهذه الروح الداعمة والمشجعة يعامل حامد مطاوع تلاميذه وزملاء الحرف!

وتوسعت دائرة العلاقات الشخصية والصحفية بزملاء مهنة الصحافة في مقهى - مديرية الصحافة العامة - وكان موقعها في آخر شارع الخزان بالرياض تحتل عمارة حديثة نصفها المكاتب الرسمية والأدوار الأخرى يتقاسمه الزملاء الموظفون أذكر منهم لا الحصر: الأساتذة: هاشم عزوز - علي مجشي - علوي الصافي - سعيد فياض - يوسف العمري - محمود صباغ - أطال الله في أعمار الأحياء منهم-، وكنت أشارك الإخوان: يوسف العمري وعلوي الصافي الشقة المخصصة لنا، وكانت ليالينا سهرات صحفية نقضيها في كتابة المقالات، وتميزت هذه المرحلة من أيامي الصحفية بعلاقة صداقة زمالة مع عميد كتاب الندوة في الرياض الاستاذ فهد بن خميس، وكنت أشارك معه في تسليم بريد جريدة الندوة إلى - أحد المسافرين - في مطار الرياض القديم مقابل بعض المشاوير بسيارته - الأوستن الخشبية - وكان كريماً معنا في تأدية واجبات الضيافة في الرياض.

وعلاقة التلمذة تحولت لزمالة مهنية تربطني بالفقيد الغالي، حين تمثيلي لجريدة الندوة كمراسل صحفي لها في أنقرة أثناء عملي ضمن جهاز سفارة خادم الحرمين الشريفين وخلال مراحل دراستي العليا في جامعة أنقرة.

والتقيت به عدة مرات، حين زيارتي لمكة المكرمة مرافقا لوفود قيادية تركية ودعوت الرئيس فروح بوزبيلي رئيس مجلس الأمة التركي آنذاك لزيارة مطابع الندوة في شرائع مكة، واستقبلنا الفقيد حامد مطاوع وأمضى الضيف ومرافقوه ساعات في ضيافة تحرير جريدة الندوة.

الذكرى والذكريات واسعة الأفق كان آخر حلقاتها مكالمة تلفونية قبل شهرين استفسرت من خلالها عن صحته وأحواله وعاتبني عن قلة اللقاء ووعدته بلقاء قريب، ولكن الأجل المحتوم حال دون هذا اللقاء المنتظر.

رحم الله أستاذنا أبا انمار وأسكنه النعيم، وألهم أبناءه وذويه ومحبيه وتلامذته الصبر والسلوان.

{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد